اكاديميه الاشهار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اكاديميه الاشهار

استايلات | برامج | خدمات | اكواد تومبيلات | اشهار المواقع | سكربتات | برامج الاشهار | شروحات البرامج | دعم فني | اكواد Css
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Blue
Sharp Pointer

شاطر | 
 

  من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
النايـف
النايـف


عضو نشيط

معلومات اضافيه
الْجِنْسِ : ذكر
عدد مساهماتك معنا : 96
نْـقٌٍـآطُْـيَـے : 52116

 من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة Empty
http://bahajt.mountadamajani.com/index.htm
مُساهمةموضوع: من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة    من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 15, 2010 1:35 am

من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة

قالالله تعالى :﴿ لَاأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُبِالنَّفْسِاللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَعِظَامَهُ *بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْيُرِيدُالْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَيَوْمُالْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ *وَجُمِعَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍأَيْنَالْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَيَوْمَئِذٍالْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَاقَدَّمَوَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْأَلْقَىمَعَاذِيرَهُ * لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّعَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُفَاتَّبِعْقُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ * كَلَّا بَلْتُحِبُّونَالْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍنَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ *تَظُنُّأَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ * كَلَّا إِذَا بَلَغَتِالتَّرَاقِيَ *وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ *وَالْتَفَّتِ السَّاقُبِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ *فَلَا صَدَّقَ وَلَاصَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَإِلَى أَهْلِهِيَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَفَأَوْلَى *أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُنُطْفَةً مِنْمَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى *فَجَعَلَمِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَبِقَادِرٍعَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾( القيامة : 1- 40 )
أولاً-سورةالقيامة مكية بلا خلاف ، وآياتها أربعون ، وهي تعالج موضوع البعثوالجزاءالذي هو أحد أركان الإيمان ، وتركِّز بوجه خاص على القيامةوأهوالها ،والساعة وشدائدها ، وعلى حالة الإنسان عند الاحتضار ، وما يلقاهالكافر فيالآخرة من المصاعب والمتاعب؛ ولذلك سمِّيت : سورة القيامة .

تبدأالسورةالكريمة بالتلويح بالقسم بيوم القيامة ، وبالنفس اللوَّامة على أنالبعثحقٌّ لا ريب فيه . ثم تذكر طرفًا من ذلك اليوم المهول الذي يتحيَّرفيهالبصر ، ويُخْسَف فيه القمر ، ويُجمَع الخلائق والبشر للحساب والجزاء .

وتتحدَّثالسورةالكريمة عن اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بضبط القرآن الكريم ،عندتلاوة جبريل- عليه السلام- فقد كان عليه الصلاة والسلام يجهد نفسهفيمتابعة جبريل عليه السلام ، ويحرِّك لسانه معه ؛ ليسرع في حفظ ما يتلوه،فأمره الله تعالى أن يستمع للتلاوة ، ولا يحرِّك لسانه به .
وتذكرالسورةالكريمة انقسام الناس إلى فريقين : سعداء ، وأشقياء . فالسعداءوجوههممضيئة ، تتلألأ بالأنوار ، ينظرون إلى الرب جل وعلا . والأشقياءوجوههممظلمة قاتمة ، يعلوها ذلٌّ وقَتَرَة .
ثم تتحدَّث السورة عن حالالمرءعند الاحتضار ، حيث تكون الأهوال والشدائد ، ويلقى الإنسان منالكربوالضِّيق ما لم يكن في الحسبان . وتختتم بإثبات الحشر والمعادبالأدلةوالبراهين العقلية .

ثانيًا- هذه السورة الكريمة- كغيرها منسورالقرآن الكريم- حافلة بأسرار البيان المعجز الذي أعجز أربابالفصاحةوالبيان . وأول ما يطالعنا من هذه الأسرار البديعة المعجزة :

1- سر دخول ﴿ لَا ﴾ النافية على الفعل ﴿ أُقْسِمُ ﴾ في الآيتين : الأولى والثانية :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾(القيامة: 1- 2)

ويكاديجمعالعلماء- قديمًا وحديثًا- على القول بأن ﴿ لَا ﴾ هذه زائدة لتوكيدالقسم ،في حين ذهب بعضهم إلى أنها نافية للقسم ، وذهب آخرون إلى أنهانافية لكلامتقدم ذكره ، ثم ابتدىء بالقسم .. إلى غير ذلك من الأقوال .ومن العلماءالمعاصرين الذين تحدثوا عن الخلاف في ﴿ لَا ﴾ هذه الدكتورفاضل السامرَّائي، وهو أشهر من أن يعرَّف به ، ففي كتابه الغنيِّ عنالتعريف { لمسات بيانيةفي نصوص من التنزيل } تحدث الدكتور فاضل عن لمساتبيانية في سورة { البلد }، وقد سأل السؤال الآتي : ما دلالة ( لا ) فيالقسم ؟ ثم أجاب بقوله :«أولاً- لم يرد في القرآن كلّه ( أقسم بـ )أبدًا . كل القسم في القرآن وردباستخدام ( لا ) ؛ كقوله تعالى :&679&5: لا أقسم بمواقع النجوم )، ( ولا أقسم بالخنّس ) ، ( فلا وربّك لا يؤمنون ) .. وهكذا في القرآن كله.

فما هي ( لا ) ؟ اختلف النحاة في دلالة ( لا ) : كلام عام من (لا أقسم ) عمومًا ، يقولون :&679&5:لا ) زائدة لتوكيد القسم بمعنى: أقسم ؛ مثال قولنا : والله لا أفعل ،معناها : لا أفعل . ولو قلنا : لاوالله لا أفعل ، معناها : لا أفعل . لايختلف المعنى ، والقسم دلالةواحدة.. وقسم يقولون : هي للنفي . أي : نفيالقسم . والغرض منه أن الأمر لايحتاج للقسم لوضوحه ، فلا داعي للقسم .وقسم قال : إنها تنفي لغرض الاهتمام؛ كأن تقول : لا أوصيك بفلان ، بمعنى: لا أحتاج لأن أوصيك .. وفي السورة {لا أقسم بهذا البلد } تدور ( لا )في كل هذه الأمور ، على أنها توكيد للقسم، بمعنى : { أقسم بهذا البلد } .إذن الغرض للتوكيد ؛ لأن الأمر فيه عنايةواهتمام » .

هذا ماقاله فضيلته بنصِّه ، وهو مدوَّن في كتاب ، وليسجوابًا ارتجاليًّامباشرًا على الهواء ، وهو كلام يحتاج من القارىء إلىكثير من التدبروالتأمل ، حتى يستطيع فهمه ؛ لأنه أشبه بالألغاز ، وإلافكيف يمكن أن يفهمقوله :« والله لا أفعل ، معناها : لا أفعل . ولو قلنا :لا والله لاأفعل ، معناها : لا أفعل . لا يختلف المعنى والقسم دلالة واحدة» ؟أو كيف يمكن أن يفهم قوله :« وفي السورة { لا أقسم بهذا البلد }تدور (لا ) في كل هذه الأمور ، على أنها توكيد للقسم ، بمعنى :{ أقسمبهذا البلد} . إذن الغرض للتوكيد ؛ لأن الأمر فيه عناية واهتمام »؟ هذا إلى ما فيهمن خلط واضح بين نفي القسم ، ونفي الحاجة إلى القسم .وبين قوله تعالى :﴿لَا أُقْسِمُ ﴾ ، وقوله تعالى :﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ ﴾ .

وكأنالدكتور فاضل أحس بما في كلامه من اضطرابوخلط ؛ ولذلك نجده قد رجع عنه فيحديثه عن { لمسات بيانية في سورة القيامة} إلى القول :« وباختصار كبيرنرجح أن هذا التعبير إنما هو لون منألوان الأساليب في العربية . تخبرصاحبك عن أمر يجهله أو ينكره ، وقديحتاج إلى قسم لتوكيده ؛ لكنك تقول له :لا داعي أن أحلف لك على هذا . أولا أريد أن أحلف ؛ لأن الأمر على هذهالحال . ونحوه مستعمل في الدارجةعندنا نقول : ما أحلف لك أن الأمر كيتوكيت . أو ما أحلف لك بالله ؛ لأنالحلف بالله عظيم إن الأمر على غير ماتظن ، فأنت تخبره بالأمر ، وتقول له: لا داعي للحلف بالمعظمات على هذاالأمر . أو كما ذهبت إليه الدكتورة بنتالشاطئ ، وهو أن القصد من ذلك هوالتأكيد » .

ومثل هذاالخلط نجده عند ابن عاشور ، يدل على ذلكقوله عند تفسير قوله تعالى :﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾(الواقعة: 75) ، قال :« و{لا أقسم } بمعنى : أقسم ، و ( لا ) مزيدةللتوكيد . وأصلها : نافية ، تدلعلى أن القائل لا يقدم على القسم بما أقسمبه خشية سوء عاقبة الكذب فيالقسم . وبمعنى أنه غير محتاج إلى القسم ؛ لأنالأمر واضح الثبوت . ثم كثرهذا الاستعمال ، فصار مرادًا تأكيد الخبر ،فساوى القسم ، بدليل قوله عقبه:﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَعَظِيمٌ ﴾(الواقعة: 76) » .

ثمقال في سورة البلد :« و { لا أقسم }صيغة تحقيققِ قَسَم ، وأصلها :أنها امتناع من القسَم امتناع تحرُّج من أنيحلف بالمُقْسممِ به خشيةالحنث ، فشاع استعمال ذلك في كل قَسَم يرادتحقيقه ، واعتبر حرف ( لا )كالمزيد ؛ كما تقدم عند قوله تعالى :﴿ فَلَاأُقْسِمُ بِمَوَاقِعِالنُّجُومِ ﴾ » .

لاحظوا قوله :« و { لا أقسم} بمعنى: أقسم ، و ( لا ) مزيدة للتوكيد » . ثم تأملوا قوله :«وأصلها :نافية ، تدل على أن القائل لا يقدم على القسم بما أقسم به خشيةسوء عاقبةالكذب في القسم » . وقوله:« وأصلها : أنها امتناعمن القسَم امتناع تحرُّجمن أن يحلف بالمُقْسممِ به خشية الحنث » .وتذكروا أن المُقسِم- هنا- هوالله عز وجل !

والله جل شأنه عندمايقول :﴿ لَا أُقْسِمُ ﴾ فهذا لايعني إلا شيئًا واحدًا فقط ، وهو أنهتعالى ليس بحاجة إلى أن يقسم بشيء منمخلوقاته- مهما عظم ذلك الشيء- علىأن المقسَم عليه حقٌّ ، لا ريب فيه ؛لأن كونه حقًّا لا يحتاج إلى يمينيؤكد حقِّيَّتَه وثبوته ؛ كالبعث والنشورفي هذه السورة الكريمة . والفرقواضح كل الوضوح بين أن نقول :{ أقسمُ بيومالقيامة على أن البعث حق } ،وبين أن نقول :{ لا أقسمُ بيوم القيامة على أنالبعث حق } . فالأول يجعلمن البعث أمرًا مشكوكًا في حقِّيَّته وثبوته عندالمخاطب ، بخلاف الثاني .

وإذا علمنا الفرق بين الجملتين السابقتين، أدركنا سرَّ دخول ﴿لَا ﴾ النافية على فعل القسم في هذه السورة ، وفيغيرها من السور التييكون فيها ضمير الفعل عائدًا على الله جل وعلا ، ويكونالمقسَم عليه منالأمور اليقينيَّة الثابتة .

ومن هنا يمكننا القولبأن ﴿ لَاأُقْسِمُ ﴾ في القرآن ، ليس بقسم مباشر ، ولا هو نفي للقسم ، أونفي لغيره؛ بل هو تلويح بالقسم ، وعدول عنه لعدم الحاجة إليه . وهذاالتلويح بالقسممع العدول عنه- كما قال سيد قطب رحمه الله- أوقع في الحسوالنفس من القسمالمباشر ، وهو أسلوب ، ذو تأثير في تقرير الحقيقة التي لاتحتاج إلى القسم؛ لأنها ثابتة واضحة . وهذا هو سر البيان في هذا التركيبالقرآني الذي مازال الناس في تفسيره يتخبطون !

وأما الفرق بين ﴿لَا ﴾ في قولهتعالى :﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ، وفي قولهتعالى :﴿ فَلاَوَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾(النساء: 65) فيبيِّنه أنالأولى موصولةبالقسم ، وأن الثانية منفصلة عنه ، والدليل على ذلك دخولالواو بينهما .

وأماالفرق بين نفي القسم ، ونفي الحاجة إلى القسم ،فقد أجابت عنه الدكتورةبنت الشاطىء بقولها :« وفرق بعيد أقصى البعد بين أنتكون ﴿ لَا ﴾لنفي القسم- كما قال بعضهم- وبين أن تكون لنفي الحاجة إلىالقسم ؛ كمايهدي إليه البيان القرآني . ومن نفي الحاجة إلى القسم يأتيالتأكيد ،والتقرير ؛ لأنه يجعل المقام في غنًى بالثقة واليقين عن الإقسام. والسرالبياني لهذا الأسلوب يعتمد في قوة اللفت- على ما يبدو- بين النفي،والقسم من مفارقة مثيرة لأقصى الانتباه ، وما زلنا بسليقتنا اللغويةنؤكدالثقة بنفي الحاجة معها إلى القسم ، فنقول لمن نثق فيه : لا تقسم . أو:من غير يمين ، مقررين بذلك أنه موضع ثقتنا ، فليس بحاجة إلى أن يقسم لنا».

وأما القول بأن { لا أقسم } بمعنى :{ أقسم } ، بدليلقوله تعالى:﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾(الواقعة:76 ) فقد أجابعنه الأستاذ محمد إسماعيل عتوك في مقاله ( سر دخول { لا }النافية على فعلالقسم ) الموجود على هذا الرابط :

[ندعوك
للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

وفي جوابه من البيان والتوضيح في تفسير هذا التركيب القرآني ما يكفي .

2- والسر الثاني من أسرار هذه السورة الكريمة سرُّ نفي الفعل ﴿ نَجْمَع ﴾ بـ﴿ لََنْ ﴾ ، وتخيصه بالعظام ، في قوله تعالى :

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾(القيامة: 3)

لمَّاعُدِلَعن القسم المباشر بيوم القيامة والنفس اللوَّامة اكتفاء بالتلويحبه ،عُدِلَ عن ذكر المقسَم عليه ، وكان ظاهر الكلام يقتضي أن يقال :﴿لَاأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُبِالنَّفْسِاللَّوَّامَةِ ﴾، ﴿ لَتُبْعَثُنَّ ﴾ ؛ ولكن عُدِلَ عن هذاللعلة السابقة ،وجيء به في صورة أخرى ؛ كأنها ابتداء لحديث ، بعد التنبيهإليه بهذاالمطلع الذي يوقظ الحس والمشاعر :

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾(القيامة: 3)

وقدكانتالمشكلة الشعورية عند المشركين هي صعوبة تصورهم لجمع العظام البالية،الذاهبة في التراب ، المتفرقة في الثرى ، لإعادة بعث الإنسان حيًّا !وهيمشكلة لا تزال كذلك عالقة في بعض النفوس الضعيفة والمريضة إلى يومناهذا !وقد تردد ذكرها في القرآن كثيرًا على ألسنة المشركين ، من ذلك قولهتعالىحكاية عنهم :

﴿ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَاوَكُنَّاتُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآَبَاؤُنَاالْأَوَّلُونَ ﴾(الواقعة: 47- 48)

والقرآن الكريم يرد عليهم بقول الله عز وجل :

﴿ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾(الواقعة: 49- 50)

ونحو ذلك قوله تعالى :

﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾(يس: 78)

ويأتي الرد من الله تعالى :

﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾(يس: 79)

ومثل ذلك قوله تعالى هنا :

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾(القيامة: 3)

فجاءت الآية على جهة التوبيخ لهم ، في اعتقادهم أن الله تعالى لا يجمع عظامهم ، فردَّ عليهم تعالى بقوله مؤكدًّا وقوعه :

﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾(القيامة: 4)

والمعنى:أيحسب الإنسان بعد أن خلقناه من عدم أن لن نجمع ما بلى وتفرق من عظامه؟بلى ! إننا لقادرون على أن نسوِّيَ أطراف أصابعه الصغيرة ، ونجعلهاكماكانت قبل الموت ، فكيف بالعظام الكبار ؟!

وقد أعاد الله تعالى هذا الاعتراض مع الجواب عليه بصورة أخرى ، في آخر السورة ، فقال سبحانه :

﴿أَيَحْسَبُالْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْمَنِيٍّيُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَمِنْهُالزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍعَلَىأَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾(القيامة: 36- 40)

والاستفهام فيقولهتعالى :﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ ﴾ لإنكار الواقع واستقباحهوالتوبيخ عليه. والتعريف في ﴿ الْإِنْسَانُ ﴾ تعريف الجنس ، والمراد بههنا جنس الكافرالمنكر للبعث .

و﴿ لََنْ ﴾ في قوله تعالى :﴿أَلَّنْ نَجْمَعَعِظَامَهُ ﴾ أداة لنفي المستقبل ، وهي في مذهب الخليلمركبة من ( لا )النافية ، و( أن ) المصدرية . ولا يلزم ما اعترض عليهسيبويه من تقديمالمفعول عليها ؛ لأنه يجوز في المركبات ما لا يجوز فيالبسائط .

ومنخواصِّها : أنها تنفي الفعل في المستقبل بعد أن كانمحتملاً للحال . وبيانذلك : أنك إذا قلت : يسرني أن يقوم زيد خطيبًا ،دلت ( أن ) على إمكانالقيام . فإن قلت : لن يقوم ، دلت ( لن ) على نفيإمكان القيام الذي دلتعليه ( أن ) . فإذا ثبت ذلك ، فمعنى ( لن ) هو نفيُالإمكان بـ( أن ) .

ومنخواصِّ ( لن ) أيضًا أنها تنفي ما قرُب ،ولا يمتدُّ معنى النفي فيهاكامتداده في ( لا ) ، إذا قلت : لا يقوم ؛ لأن( لا ) هي لام بعدها ألف ،يمتدُّ بها الصوت ما لم يقتطعه تضييق النَّفَس؛ فآذن امتداد لفظها بامتدادمعناها. و( لن ) بخلاف ذلك ؛ ولهذا كان ظاهراللفظ والمعنى يقتضي أن يقال:« أيحسب الإنسان أن لا نجمع عظامه» ، بدلا من قوله تعالى :﴿ أَلَّنْنَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾ ؛ ولكن عدلعن الأول إلى الثاني ؛ لأن العرب- كما قالالشيخ السهيلي رحمه الله- تنفيبـ( لن ) ما كان ممكنًا عند المخاطب ،مظنونًا أن سيكون ، فتقول له : لنيكون ، لما يمكن أن يكون ؛ لأن ( لن )فيها معنى ( أن ) . وإذا كان الأمرعندهم على الشك ، لا على الظن- كأنهيقول : أيكون ، أم لا يكون- قلت فيالنفي : لا يكون .

تأمل ذلك فيقوله تعالى :﴿ لَن يَخْلُقُواذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾(الحج:73) ، كيف جاء النفي فيه بـ( لن) دون ( لا ) ، لظنِّ المشركين أن الآلهةالتي يعبدونها من دون الله جلوعلا ، قادرة على الخلق . فإذا علمت ذلك ،تبين لك سر النفي بـ( لن ) دون( لا ) في قوله تعالى :﴿ أَلَّنْ نَجْمَعَعِظَامَهُ ﴾ . ولو قيل :﴿ أَنْلَا نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾ ، لأفاد ذلك خلافالمراد .

وأما سرُّتخصيص فعل الجمع بالعظام فلأن العظام هي قالبالنفس ، لا يستوي الخَلْقُإلا باستوائها ، وأنها أبعد شيء عن الحياة بعدالبلى . وجمعها بعد البلىلا قدرة لأحد عليه سوى الله الذي خلقها أول مرة ،سبحانه وتعالى ! قال ابنقيِّم الجوزيَّة :« الذي أحصاه المشرحون من العظامفي البدن مائتانوثماني وأربعون عظمًا ، سوى الصغار السَّمسَميَّات التيأحكمت بها مفاصلالأصابع ، والتي في الحنجرة . وقد أخبر النبي صلى اللهعليه وسلم أنالإنسان خلق من ثلاثمائة وستين مفصلاً . فإن كانت المفاصل هيالعظام ، فقداعترف جالينوس وغيره بأن في البدن عظامًا صغارًا ، لم تدخلتحت ضبطهموإحصائهم . وإن كان المراد بالمفاصل المواضع التي تنفصل بهاالأعضاء بعضهاعن بعض- كما قال الجوهري وغيره- فتلك أعم من العظام ..فتأمله ! » .

3-والسر الثالث من أسرار هذه السورة الكريمة سرُّاختيار لفظ البنان ،وتخصيصه بالتسوية في قوله تعالى :﴿ بَلَى قَادِرِينَعَلَى أَنْ نُسَوِّيَبَنَانَهُ ﴾(القيامة: 4) . و﴿ بَلَى ﴾ حرف جواب ،ولها موضعان :

الموضع الأول : أن تكون ردًّا لنفي يقع قبلها ؛ كما في قوله تعالى :

﴿ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(النحل: 28) . أي : بلى ! قد عملتم السوء .

والموضعالثاني: أن تقع جوابًا لاستفهام دخل عليه نفي حقيقة ، فيصير معناهاالتصديق لماقبلها ؛ كقولك : ألم أكن صديقك ؟ ألم أحسن إليك ؟ فتقول : بلى! أي : كنتصديقي . ومنه قوله تعالى :

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ ؟ ﴿قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ﴾(الملك: 8- 9) ،فهي فيهذا الموضع تصديق لما قبلها ، وفي الأول ردُّ لما قبلها ، وتكذيب .

ويجوز أن يقرن النفي بالاستفهام مطلقًا ، حقيقيًّا كان ، أو مجازيًّا ؛ فالمجازي كقوله تعالى :

﴿أَلَسْتُبِرَبِّكُمْ ﴾ ؟ ﴿ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ﴾(الأعراف: 172) .أي : بلى !أنت ربنا . فإن الاستفهام هنا ليس على حقيقته ؛ بل هو للتقرير؛ لكنهمأجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده بـ﴿ بَلَى ﴾ .قال ابنعباس رضي الله عنهما :« لو قالوا : نعم ، لكفروا » .ووجهه أن لفظة ( نعم )تصديق لما بعد الهمزة ، نفيًا كان ، أو إثباتًا .والحقيقي كقوله تعالى :

﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ﴾ ؟ ﴿ بَلَى ﴾(الزخرف: 80)

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾ ؟ ﴿ بَلَى قَادِرِينَ ﴾(القيامة: 3- 4)

ومنثمَّقال الجمهور : التقدير : بلى ! نجمعها قادرين ؛ لأن الحسبان إنما يقعمنالإنسان على نفي جمع العظام ، و﴿ بَلَى ﴾ إثبات فعل النفي ، فينبغي أنيكونفعل الجمع بعدها مذكورًا على سبيل الإيجاب .

وقوله تعالى:﴿قَادِرِينَ ﴾ حال مقيِّد لفعل الجمع المقدَّر . وفيه بعد الدلالةعلىالتقييد ، تأكيد لمعنى الجمع ؛ لأن الجمع من الأفعال التي لابدَّ فيهامنالقدرة ، فإذا قُيِّد بالقدرة البالغة ، فقد أُكِّدَ .

والبنانفيقوله تعالى :﴿ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ يطلق في اللغة ، ويرادبه: الأصابع ، وأطرافها . وقيل : سمِّيت الأصابع بذلك ؛ لأن بهاصلاحالأحوال التى يمكن للإنسان أن يَبْني بها . قال تعالى :﴿وَاضْرِبُواْمِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾(الأنفال: 12) . أي : الأصابع ، أوأطرافها ؛لأجل أنهم بها يقاتلون ، فإنه لا ظهور على العدوِّ إلا بضرببنانه .

والمرادبها في قوله تعالى :﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْنُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾(القيامة: 4) أطراف الأصابع . وهذه الآية الكريمة منأقوى الأدلة على جمعأجزاء الإنسان المتفرقة ، وأبلغ دليل في تصوير القدرةالإلهية على ذلك ؛إذ تؤكد عملية جمع العظام ، بما هو أرقى من مجرد جمعها ،وهو تسوية البنان، وتركيبه في موضعه كما كان ، وهي كناية عن إعادة التكوينالإنساني بأدقما فيه ، وإكماله بحيث لا تضيع منه بنان ، ولا تختل عنمكانها ؛ بلتُسوَّى تسويةً كاملة ، مهما صغُرت ودقَّت ! وبهذا يُعلَم سرُّتخصيص لفظ( البنان ) بالذكر- ههنا- دون غيره .

وقد كشفت العلومالحديثة عنهذا السر ؛ إذ تبين أن البشرية بأسرها ، قد ميَّز الله العليمالقادر بينجميع أفرادها بميزة ، لا يمكن أن يشترك فيها اثنان منهم ، حتىالأب معابنه .. تلك الميزة هي اختلاف البنان ، تلك الخطوط الدقيقة فيأنامل كلإنسان . فثبت بذلك أن أصابع الإنسان هي التي تحدد شخصيته ، وأنبصماتالأصابع هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذه الشخصية ، ونشأ عن ذلك علم ،سمِّي:« علم تحقيق الشخصيَّة » .

فإذا كان الأمر كذلك ، وقدأخبرتعالى أنه قادر على جمع عظام الإنسان وإعادة بنان كل فرد بهيئتهوشكلهوصورته ، فكيف يستبعد الجاحد على من هذه قدرته ، إعادته إلى الحياةمرةأخرى ؟ وبالتالي فالآية نصٌّ صريحٌ في جمع الأجزاء المتفرقة ، حتىأصغروأدق جزء منها ، ودليلٌ على أن بدن الإنسان يتفرق ، ولا ينعدم .

وهكذانرىأن قوله تعالى :﴿ أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ يدل على معنى لم يكشفالعلمسره ، إلا بعد نزول القرآن بأكثر من ألف وأربعمائة سنة ، حينما عرفأن لكلبنان بصمة خاصة ، تختلف فيها اتجاهات خطوطها اختلافًا واضحًا بينفرد وآخر. وصدق رب العزة حين قال :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِوَفِيأَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْيَكْفِبِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾(فصلت: 53)

4- والسر الرابع من أسرار هذه السورة الكريمة سرُّ التكرار :

ومنذلكما جاء فيها من تكرار في الآيتين : الأولى والثانية . وفي الآيتين:الثامنة والتاسعة . وفي الآيتين : الرابعة والثلاثين والخامسة والثلاثين .

أ- أما التكرار في الآيتين الأولى والثانية :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ * ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾(القيامة: 1- 2)

ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الله تعالى أقسم بيوم القيامة ، وبالنفس اللوَّامة .

والثاني : أنه أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوَّامة .

والثالث : أنه لم يقسم بهما .

وقدسبقأن ذكرت أن قوله تعالى :﴿ لَا أُقْسِمُ ﴾ ليس بقسم مباشر ؛ بل هوتلويحبالقسم وعدول عنه ، لعدم الحاجة إليه . وأن ﴿ لَا ﴾ جيء بها قبلالفعل ﴿أُقْسِمُ ﴾ ، لنفي الحاجة إلى القسم ، ولم يؤتَ بها لغرض آخر .وهذا هوسرُّ البيان فيها . وأما تكرارها مع الفعل ﴿ أُقْسِمُ ﴾ ففيه سرٌّآخرُ منأسرار البيان ، وبيان ذلك أنه لو قيل :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَبِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ ، احتمل ذلك معنيين :

أحدهما : نفي الحاجة إلى القسم بهما مجتمعين .

والثاني : نفي الحاجة إلى القسم بأحدهما ، دون الآخر .

وأما قوله تعالى :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
فيدلعلىنفي الحاجة إلى القسم بهما مجتمعين ومنفردين . وهذا يعني أن التكرارهنامقصود ، ويدلك على ذلك أن السورة الكريمة تقوم من مطلعها إلى ختامهاعلىالمزاوجة بين إيقاع يوم القيامة ، وإيقاع النفس اللوَّامة ؛ وكأنهذاالمطلع إشارة إلى موضوع السورة . أو كأنه اللازمة الإيقاعية التيترتدإليها كل إيقاعات السورة بطريقة دقيقة جميلة .

أما يوم القيامةفقدورد وصفه في هذه السورة وفي غيرها بما لم يوصف به غيره ، وسيمر بنا شيءمنهذا الوصف .. وأما النفس اللوَّامة فقد روي في تفسيرها أقوال متنوعة،كلها متقاربة المعنى ، ولعل أقربها إلى المراد ما روي عن الحسن البصريمنقوله :« إن المؤمن ، والله ! ما تراه إلا يلوم نفسه : ما أردتبكلمتي ؟ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر يمضي قدمًا ،ما يعاتبنفسه » . وعنه أيضًا :« ليس أحد من أهل السماواتوالأرضين إلا يلوم نفسهيوم القيامة » .

يقول سيد قطب رحمهالله :« فهذه النفس اللوَّامة ،المتيقظة التقية ، الخائفةالمتوجِّسة التي تحاسب نفسها ، وتتلفت حولها ،وتتبين حقيقة هواها ، وتحذرخداع ذاتها ، هي النفس الكريمة على الله ، حتىليذكرها مع يوم القيامة .ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة ، نفسالإنسان الذي يريد أن يفجرأمام خالقه ، فيسأل سؤال المتهكم عن يوم القيامة، مستبعًدا وقوعه ، ويمضيقدمًا في فجوره وغيِّه دون حساب لنفسه ، ودونتلوُّم ، ولا تحرُّج ، ولامبالاة ! » .

﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴾(القيامة: 5- 6)

والسؤالبـ﴿أَيَّانَ ﴾ هذا اللفظ المديد الجرس ، يوحي باستبعاد ذلك السائل لهذااليومالواقع لا محالة ؛ وذلك تمشيًا مع رغبته في أن يفجر ، ويمضي فيفجوره ، لايصدُّه شبح البعث ، وشبح الآخرة . والآخرة لجام للنفس الراغبةفي الشر ،ومَصَدٌّ للقلب المحب للفجور ، فهو يحاول إزالة هذا المَصَدِّ ،وإزاحة هذااللجام ؛ لينطلق في الشر والفجور بلا حساب ليوم الحساب . ومنثمَّ كانالجواب على تهكمه بيوم القيامة ، واستبعاده لموعده سريعًا خاطفًاحاسمًا ،ليس فيه تريث ، ولا إبطاء ، حتى في إيقاع النظم ، وجرس الألفاظ .

﴿فَإِذَابَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُوَالْقَمَرُ *يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ *كَلَّا لَا وَزَرَ *إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُالْإِنْسَانُيَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُعَلَى نَفْسِهِبَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾(القيامة: 7- 15)

ب- وأما التكرار في الآيتين الثامنة والتاسعة :

﴿ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ﴾ * ﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾(القيامة: 8- 9)

فالمرادبهتكرار لفظ ( القمر ) . والسر في هذا التكرار أن الله تعالى أخبر عنهفيالآية الثانية بغير الخبر في الأولى . فخَسْفُ القمر غير جمعه مع الشمس.وخسفه معناه : ذهاب ضوئه وإظلامه . قال أبو حاتم محمد بن إدريس :«إذا ذهببعضه فهو كسوف ، وإذا ذهب كله فهو الخسوف » .

وغلِّب المذكر علىالمؤنث في الآية الثانية ، لاجتماع الشمس والقمر . ولو قيل:&679&5:طلع الشمس والقمر ) ، بدلاً من قوله تعالى :﴿ وَجُمِعَالشَّمْسُوَالْقَمَرُ ﴾، لقبح ؛ كما يقبح أن يقال : قام هند وزيد ؛ إلا أنيرادبالواو : الواو الجامعة ، لا العاطفة . وأما في الآية الكريمة فلا بدأنتكون الواو جامعة ، وهي التي تسمَّى : واو المعيَّة ، ولفظ الجمعقبلهايقتضي ذلك ، وهي في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه :﴿ وَجُمِعَبينالشَّمْس وَالْقَمَر ﴾ .

وقيل في المراد من جمعهما : أن اللهتعالىيجمع بينهما يوم القيامة ، ويلقيهما في النار ؛ ليكونا عذابًا علىالكفار. وجمعُ الشمس والقمر هو عبارة عن فناء الكون . أي : يحدث وقتالتحامالشمس والقمر . في ذلك الوقت يحدث اضطراب بين النجوم والكواكب ،وتوابعها، فتصطدم ببعضها ، وتتحطم ، ثم تتناثر . ويؤكِّد العلماء أن جمعالشمسوالقمر سوف يكون بفعل فقدان تعادل القوى الجاذبة والطاردة ، وسينجذبالقمرالى مركزه الأصلي ، وهو الشمس .

ذكر الأستاذ عبد الدايم كحيلفيمقال له ، نشر في موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، تحت عنوان(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) ، أن علماء الفلك يخبرونبنتيجةحساباتهم أن الشمس ستتحول إلى عملاق أحمر بعد خمسة آلاف مليون عام ،وفيتلك اللحظة سيكبر حجم الشمس ، حتى يصل غلافها إلى حدود القمر ،وسيتماجتماع الشمس والقمر ! ثم قال :« منذ عام/ 1695 لاحظ العالمهاليEdmund Halley أن دوران الأرض يتباطأ مع الزمن ، وبعد ذلك وعندماتطورتالقياسات الفلكية تمكن العلماء من اكتشاف أن القمر يبتعد عنالأرضتدريجيًّا ، وبمعدل/ 4 / سم كل عام . وفي ذلك الوقت سيكون القمر أبعدعنالأرض بمعدل/ 40 / بالمائة أكبر من بعده الحالي . أي : أنه سيكون أقربإلىالشمس . عند هذه المرحلة سوف يتحطم القمر ، وينخسف كما تنخسف الأرضأثناءالزلزال .. وبالتالي سيكون القمر أول من يجتمع مع الشمس ، ويتأثربحرارتها.. في ذلك الوقت سيكون طول اليوم على الأرض/ 47 / ضعف اليومالحالي ،وسيصبح طول الشهر/ 47 / يومًا .

ويؤكد العلماء أن القمر ماهو إلاجزء من الأرض نتج عن اصطدامات ، تعرضت لها الأرض قبل/ 4.5 / بليونسنة ،فتناثرت أجزاء من الأرض ، وبدأت تدور حولها ، ثم تجمعت وشكلت القمر.والقمر يبعد عن الأرض/ 385 / ألف كيلو متر وسطيًّا . هذه المسافةقطعهاالقمر بعد رحلة شاقة ، استمرت آلاف الملايين من السنوات ، ولا يزالالقمريبتعد عن الأرض حتى يدخل في نطاق جاذبية الشمس ، ويكون الاجتماعبينهما .ويؤكد العلماء أن اقتراب الشمس من القمر ، واقتراب القمر من الشمس،واجتماعهما حقيقة مؤكدة بناء على القوانين التي تحكم الكون » .

فاللهالقادرعلى جمع الشمس والقمر في هذا اليوم هو على جمع عظام الإنسان بعدمافرَّقهاالبلى ومزَّقها أقدر وأقدر ، وإن كان الكل أمام القدرة الإلهيةسواء !

ج- وأما التكرار في الآيتين الرابعة والثلاثين والخامسة والثلاثين :

﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ * ﴿ ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾(القيامة: 34- 35)

فقدجاءفيهما لفظ ﴿أَوْلَى ﴾ مكررًا أربع مرات . والغرض من هذا التكرارالمبالغةفي التهديد والوعيد . والخطاب لأبي جهل ، عمرو بن هشام الذي تقدموصفه فيالآيات التي سبقت هاتين الآيتين ، وهي قوله تعالى :

﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ﴾(القيامة: 31- 33)

وكانيجيءأحيانًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسمع منه القرآن ، ثميذهب عنه، فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ، وكان يؤذي رسول اللهصلى اللهعليه وسلم بالقول ، ويصد عن سبيل الله ، ثم يذهب مختالاً بما فعل، فخورًابما ارتكب من الشر ؛ كأنما فعل شيئًا يذكر .

والتعبيرالقرآني يتهكمبه ، ويسخر منه ، ويثير السخرية كذلك ، وهو يصور حركةاختياله بأنه ﴿يَتَمَطَّى ﴾ ، وهو ذاهب إلى أهله . أي : يمطُّ في ظهره ،ويتعاجب تعاجبًاثقيلاً كريهًا ! والله جل وعلا يواجه هذه الخيلاء الشريرةبالتهديد والوعيد، فيقول سبحانه :

﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾

وهوتعبيراصطلاحي ، يتضمن التهديد والوعيد . ومعناه : قاربك ما تكره ، فاحذره. وهومأخوذٌ من الوَلِيِّ ، وهو القرب . وفي زاد المسير لابن الجوزيِّ:« قالابن قتيبة : هو تهديد ووعيد . وقال الزجاج : العرب تقول :أولى لفلان ، إذادعت عليه بالمكروه ، ومعناه : وَلِيَكَ المكروه ، يا أباجهل ! » .

وقالالكرماني في كتابه أسرار التكرار :«فإن قوله :﴿ أَوْلَى ﴾ تامٌّ في الذمِّ، بدليل قوله :﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ﴾(محمد: 20) ، فإن جمهور المفسرين ذهبواإلى أنه للتهديد . وإنما كرَّرها؛ لأن المعنى : أولى لك الموت ، فأولى لكالعذاب في القبر ، ثم أولى لكأهوال يوم القيامة ، وأولى لك عذاب النار ،نعوذ بالله من شرها » .

وفيالمستدرك على الصحيحين ، عن سعيد بنجبير ، قال :« قلت لابن عباسرضي الله عنهما :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ ،أشيءٌ قاله رسول الله صلىالله عليه وسلم ، أو شيءٌ أنزله الله ؟ قال :قاله رسول الله صلى اللهعليه وسلم ، ثم أنزله الله » .

وفي لبابالنقول في أسبابالنزول لجلال الدين السيوطي :« أخرج الأموي في مغازيه عنعكرمة ،قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل ، فقال : إن اللهأمرنيأن أقول لك :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَفَأَوْلَى ﴾ .قال : فنزع ثوبه من يده ، فقال : ما تستطيع لي أنت ، ولاصاحبك من شئ ،لقد علمت أني أمنع أهل بطحاءَ ، وأنا العزيز الكريم . فقتلهالله يوم بدروأذله ، وعيَّره بكلمته ، ونزل فيه :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَالْعَزِيزُالْكَرِيمُ ﴾(الدخان: 49) » .

5- والسر الخامس من أسرار هذه السورة الكريمة سرُّ التقديم والتأخير :

ومن ذلك سر تقديم الخبر على المبتدأ ، أو ما أصله المبتدأ . وتقديم شبه الجملة على ما يسمَّى : عاملها .

أ- أما تقديم الخبر على المبتدأ ، أو ما أصله المبتدأ فنلاحظه في الآيات الآتية :

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾(القيامة: 12)

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾(القيامة: 30)

﴿ إِِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾(القيامة: 17)

﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾(القيامة: 19)

ففيالآيةالأولى قُدِّم الخبر﴿ إِلَى رَبِّكَ ﴾ على المبتدأ ﴿ الْمُسْتَقَرُّ﴾.والسر في هذا التقديم هو إفادة معنى التخصيص ، مع تحسين اللفظ .والمعنى :أن مستقر العباد يوم القيامة إلى ربهم خاصة ، لا إلى غيره ، فلامفرَّ لهممنه سبحانه إلا إليه . وقال الزمخشري :« أي : استقرارهم .يعني : أنهم لايقدرون أن يستقروا إلى غيره ، وينصِبوا إليه . أو : إلىحكمه ترجع أمورالعباد ، لا يحكم فيها غيره ؛ كقوله :﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُالْيَوْمَ﴾(غافر: 16) . أو: إلى ربك مستقرُّهم . أي : موضع قرارهم ، منجنة ، أو نار» .

وما قيل في تقديم الخبر على المبتدأ يقال مثله في تقديمه على ما أصله المبتدأ في قوله تعالى :

﴿ إِِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾(القيامة: 17- 19)

أي:إن على الله تعالى وحده جمع القرآن في صدر محمد صلى الله عليه وسلم،وإثبات قراءته في لسانه ، ثم إن عليه وحده سبحانه بيانه . فاللهسبحانهتكفل بجمعه ، وقرآنه ، وبيانه . وبيانه يكون على ألسنة العلماءالمتدبرينعلى مر الدهور والعصور ، الغائصين في مكنوناته ، المتحيرين فيأسرارإعجازه . وهذا يعني : أن بيان القرآن الكريم لم ينفرد به شخص دون آخر،ولم يقتصر على زمن دون زمن .

أما لفظ ( قرآن ) هنا فهو مصدر :قرأ، جيء به بدلاً من قراءة ؛ ليدل على المبالغة في القراءة . هذا أصله ،ثمأطلق على الكتاب المنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فصار علمًاعليه. ومثله في دلالته على المبالغة :&679&5: فرقان ) ، و( غفران) ، و( شكران ) ، و( كفران ) .

ب- وأما تقديم شبه الجملة على ما يسمَّى : عاملها ، فنلاحظه في الآيات الآتية :

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾(القيامة: 12)

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾(القيامة: 14)

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴾(القيامة: 22)

﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾(القيامة: 23)

﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ﴾(القيامة: 24)

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾(القيامة: 30)

ففيهذهالآيات تقدم الظرف ، والجارُّ والمجرور على ما يطلق عليه في النحوالعربيمصطلح : العامل . والغرض من هذا التقديم هو الاختصاص ، وهو الغرضنفسه منتقديم الخبر على المبتدأ في الآيات التي تقدَّم ذكرها قبل هذهالآيات . وفيقوله تعالى :﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾(القيامة: 23) .قال الزمخشري :«تنظر إلى ربها خاصَّة ، لا تنظر إلى غيره ، وهذامعنى تقديم المفعول » ..واستطرد الزمخشري قائلاً :« ألا ترىإلى قوله :

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾(القيامة: 12)

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾(القيامة: 30)

﴿ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ﴾(الشورى: 53)

َ﴿ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ﴾(آل عمران: 28)

﴿َ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (البقرة: 28)

﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾(هود: 88)

كيف دلَّ فيها التقديم على الاختصاص ! » .

ومصطلح ( المفعول ) يطلق- عند النحاة- ويراد به : شبه الجملة ؛ كما يراد به : المفعول به .

وذكرالهاشميفي كتابه : جواهر البلاغة ، من فوائد التقديم : ما يفيد زيادة فيالمعنى ،مع تحسين في اللفظ ، ثم قال :« وذلك هو الغاية القصوى ،وإليه المرجع فيفنون البلاغة ، والكتاب الكريم هو العمدة في هذا .. انظرإلى قوله تعالى :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَانَاظِرَةٌ ﴾(القيامة: 22-23) ، تجد أن تقديم الجارِّ في هذا قد أفادالتخصيص ، وأن النظر لا يكونإلا لله ، مع جَوْدَة الصياغة ، وتناسقالسجَع » .

6- والسر السادس من أسرار هذه السورة الكريمة سرُّ دخول ( الواو ) على ( لو ) الشرطية ، في قوله تعالى :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾(القيامة: 14- 15)

و﴿بَلِ﴾ للإضراب الانتقالي ، وهو للترقي من مضمون الجملة السابقة :﴿يُنَبَّأُالْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾(القيامة:13) ، إلىالإخبار بأن الإنسان يعلم ما فعله . فالمعنى : بل الإنسان حجَّةبيِّنة علىنفسه يوم القيامة ، وشاهد عليها وحده بما جنت ، وارتكبت منالموبقات ، ولوجاء بكل معذرة يعتذر بها عنها ؛ وذلك لأن جوارحه تنطقيومئذ بذلك :﴿ يَوْمَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْوَأَرْجُلُهُم بِمَاكَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(النور: 24) . ولهذا لا يحتاجإلى غيره ؛ لينبئهبأعماله . ألا ترى إلى قوله :

﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ ﴾(الحاقة: 25)

وهو كقوله تعالى :

﴿ اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾(الإسراء: 14)

فالبصيرة على هذا هي الحجة البينة الظاهرة ؛ مثلها في قوله تعالى :

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾(يوسف: 108)

والتاء فيها للمبالغة ؛ كما في :&679&5: راوية ) ، و( علاَّمة ) ، و( ونسَّابة ) .

وقيل:البصيرة اسم للإدراك التام الحاصل في القلب ؛ كما أن البصر اسمللإدراكالتام الكامل الحاصل بالعين . وقيل : البصيرة : العقل الذي تظهربهالمعاني والحقائق ؛ كما أنّ البصر إدراك العين الذي تتجلى به الأجسام.وتجمع على بصائر . قال تعالى :﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْرَبِّكُمْفَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَاأَنَاعَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾(104) .

وجمهور النحاة والمفسرين علىالقولبأن الواو التي في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ هيواوالحال ، وأن ﴿ لَوْ ﴾ بعدها وصليَّة . أي : زائدة . وعليه يكون المعنى:بل الإنسان على نفسه بصيرة ، ملقيًا معاذيره . وذهب بعضهم إلى القولبأنهذه الواو زائدة ، وأن ﴿ لَوْ ﴾ بمعنى ( إن ) الشرطية . وعليه يكونالمعنى: بل الإنسان على نفسه بصيرة ، إن ألقى معاذيره .

وكلاالقولينمخلٌّ بنظم الكلام ، ومعناه ؛ لأن المعنى على تقدير الحالية يفيدأنالإنسان بصير على نفسه في حال إلقائه المعاذير ، وفي غير هذه الحاللايكون بصيرًا عليها . أما على التقدير الثاني فيكون المعنى : أنالإنسانبصير على نفسه ، إن ألقى معاذيره ، وإن لم يلقها ، فلا يكون بصيرًاعليها. وكلا المعنيين خلاف المراد من الآية الكريمة ؛ إذ المراد منها هو :أنالإنسان بصير على نفسه ، رغم المعاذير التي يأتي بها . وهذا ما أفادتههذهالواو الداخلة على ﴿ لَوْ ﴾ ؛ ولهذا ينبغي أن تسمَّى :&679&5:واو الرَّغم ) .

وتدخلهذه الواو على عبارة شرطية قيديَّة ، يتقدمهاجملة تامة ، غير منسجمة معهافي الدلالة انسجامًا مباشرًا . فإن كانتمنسجمة معها في الدلالة ، لم يؤتبها . تأمل ذلك في قولك :

أعطوا السائل ، ولو كان غنيًّا . وقولك:

أعطوا السائل ، لو كان فقيرًا .

تجدأنكون السائل غنيًّا لا يناسب أن يعطى ، بخلاف كونه فقيرًا ؛ ولهذاأدخلتالواو في الأول ، ونزعت منه في الثاني . ولو عكس ذلك ، لاختلاللفظوالمعنى في كليهما . والشرط في العبارة الأولى يسمَّى شرطًا سلبيًّا؛ لأنما قبله يجري رغم وجود هذا الشرط . ويسمَّى في العبارة الثانيةشرطًاإيجابيًّا ؛ لأن ما قبله يجري بوجود الشرط .

وعلى القول الأول ورد قوله تعالى :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾(القيامة: 14- 15)

﴿ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾(البقرة: 221)

﴿ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾(يوسف: 17)

وعلى الثاني ورد قوله تعالى :

﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾(التوبة:81)

﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾(العنكبوت:64)

﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾(العنكبوت:41)

فجيءبهذهالواو في الموضع الذي ينبغي أن تكون فيه ، ونزعت من الموضع الذيينبغي أنتنزع منه ، وهذا من الأسرار الدقيقة التي يتميَّز بها البيانالقرآني .

7- والسر السابع من أسرار هذه السورة الكريمة سرُّ دخول ( الباء ) على خبر المنفي بـ( ليس ) ، في قوله تعالى :

﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾(القيامة: 40)

لماذكرالله تعالى في أول السورة الكريمة إمكان البعث والنشور في صورةتقريريةحاسمة ردًّا على منكريه ، ذكر سبحانه في آخرها الأدلة على النشأةالآخرةبالنشأة الأولى ، ثم ختم سبحانه السورة الكريمة بقوله :

﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾(القيامة: 40)

وهذهالحقيقة، حقيقة النشأة الأولى ، ودلالتها على صدق الخبر بالنشأة الأخرى ،وعلى أنهناك تدبيرًا في خلق هذا الإنسان وتقديرًا ، هي إحدى الحقائقالكبيرة التيعرضتها السورة الكريمة ، إلى جانب مشهد يوم القيامة ، ومايجري فيه منانقلابات كونية ، ومن اضطرابات نفسية ، ومن حيرة وقلق فيمواجهة الأحداثالغالبة ، حيث يتجلى الهول في صميم الكون ، وفي أغوارالنفس ، وهي تروغ منهنا ومن هناك ؛ كالفأر في المصيدة ! وذلك ردًّا علىتساؤل الإنسان الكافرعن يوم القيامة ، في شك واستبعاد ليومها المغيَّب ،واستهانة بها ، ولجاجفي الفجور .

وهي- كما قال سيد قطب رحمهالله- حقيقة يكشف اللهللناس عن دقة أدوارها ، وتتابعها في صنعة مبدعة ،لا يقدر عليها إلا الله ،ولا يدعها أحد ممن يكذبون بالآخرة ، ويتمارونفيها . فهي قاطعة في أن هناكإلهًا واحدًا ، يدبر هذا الأمر ويقدره ؛ كماأنها بيِّنة ، لا ترد على يسرالنشأة الآخرة ، وإيحاء قوي بضرورة النشأةالآخرة ، تمشيًّا مع التقديروالتدبير الذي لا يترك هذا الإنسان سدى ، ولايدع حياته وعمله بلا وزن ولاحساب .. وهذا هو الإيقاع الذي تمسُّ السورةبه القلوب ، وهي تقول في أولها :

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾(القيامة: 3)

ثم تقول في آخرها :

﴿أَيَحْسَبُالْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْمَنِيٍّيُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَمِنْهُالزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍعَلَىأَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾(القيامة:36- 40)

وهذا المقطعالأخيرالعميق الإيقاع ، يشتمل على لفتات عميقة إلى حقائق كبيرة ، ماكانالمخاطبون بهذا القرآن يخطرونها على بالهم في ذلك الزمان . وأولىهذهاللفتات تلك اللفتة إلى التقدير والتدبير في حياة الإنسان :

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

فلقدكانتالحياة في نظر القوم حركة ، لا علة لها ، ولا هدف ، ولا غاية ..أرحام تدفع، وقبور تبلع . وبين هاتين لهو ولعب ، وزينة وتفاخر ، ومتاعقريب زائل منمتاع الحيوان . فأما أن يكون هناك ناموس ، وراءه هدف ، ووراءالهدف حكمة ،وأن يكون قدوم الإنسان إلى هذه الحياة وفق قدر يجري إلى غايةمقدرة ، وأنينتهي إلى حساب وجزاء ، وأن تكون رحلته على هذه الأرض ابتلاءينتهي إلىالحساب والجزاء .. أما هذا التصور الدقيق المتناسق ، والشعوربما وراءه منألوهية قادرة مدبرة حكيمة ، تفعل كل شيء بقدر ، وتنهي كل شيءإلى نهاية ..أما هذا فكان أبعد شيء عن تصور الناس ومداركهم ، في ذلكالزمان .

وهذهاللمسة :﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَسُدًى ﴾ هي إحدى لمساتالقرآن التوجيهية للقلب البشري ؛ كي يتلفت ويستحضرالروابط والصلات ،والأهداف والغايات ، والعلل والأسباب التي تربط وجودهبالوجود كله ،وبالإرادة المدبرة للوجود كله . وفي غير تعقيد ولا غموض ،يأتي سبحانهوتعالى بالدلائل الواقعة البسيطة التي تشهد بأن الإنسان لنيترك سدى ..إنها دلائل نشأته الأولى التي يدركها الإنسان بفطرته السليمة :

﴿أَيَحْسَبُالْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْمَنِيٍّيُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَمِنْهُالزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾(القيامة:36- 39)

وأمام هذه الحقيقة التي تفرض نفسها فرضًا على الحس البشري ، يجيء الإيقاع الشامل لجملة من الحقائق التي تعالجها السورة:

﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ ؟

وجمهورالنحاة والمفسرين على القول بأن همزة الاستفهام ، إذا دخلت على النفي ؛كما



الموضوع الأصلي : من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة  المصدر : منتديات اكاديميه الاشهار academy-of-pub


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
EgY KinG
EgY KinG


عضو ذهبى

معلومات اضافيه
الْجِنْسِ : ذكر
عدد مساهماتك معنا : 791
نْـقٌٍـآطُْـيَـے : 52757
تاريخ الميلاد : 04/11/1995
الْعُمْرَ : 29
هـِـوْاًيُتـًے : مدير ~~ طالب
مزاجيـــے : رايـــــ ق

 من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة Empty
http://www.runrivers.com
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة    من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 15, 2010 2:51 pm

أبحرت في بحر الكلامِ لأقتفـــي **** أحلى كليماتٍ وأحلى الأحــرفِ

لكنما الأمواج أردت قاربــــــــي **** فتحطمت خجلا جميع مجادفـــي

لو أنني أنشدت الف قصــــــــيدة **** لوجدتها في حقكم لا لن تفــي

أسرجت شعري يابدور منتـديات اغليك **** ونسجته شعرا يقرّ عواطفــــــي

ونظمته نظما يدّر مشاعـــــــــرا **** من كل قلب قد أبت أن تختفـــي

سيروا الى العلياء واقتادوا المنى **** ومضوا الى الإبداعِ دون توقفِ

واُهنىء نفسي لأني قد حظـــــيت **** بجمع أخوانٍ كظــــــــــلٍ وارفِ

شكرا لكم يرعاكم رب السمــــاء **** كونوا كجسمٍ واحدٍ متكـــــــاتفِ



الموضوع الأصلي : من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة  المصدر : منتديات اكاديميه الاشهار academy-of-pub


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سيف العدالة
سيف العدالة


عضو فضى

معلومات اضافيه
الْجِنْسِ : ذكر
عدد مساهماتك معنا : 476
نْـقٌٍـآطُْـيَـے : 49086
تاريخ الميلاد : 13/02/1980
الْعُمْرَ : 44

 من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة    من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 16, 2011 5:06 pm




الموضوع الأصلي : من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة  المصدر : منتديات اكاديميه الاشهار academy-of-pub


توقيع العضو : سيف العدالة
منتديات اكاديميه الاشهار
 Academy-Of-pub

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

من أسرار الإعجاز البياني في سورة القيامة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

العلامات المرجعية


صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اكاديميه الاشهار :: اكاديميه المنتديات العامه | General Forums ::   ::   :: القسم الاسلامي العام-
انتقل الى:  
اكاديميه الاشهار
©phpBB | انشاء منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع
الإعلانات النصية
اكاديميه الاشهارمنتدى أشهار Eshary.comمنتديات احلى عرب منتديات اصحاب الى الابداضف موقعىاضف موقعك
اضف موقعك اضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعك
اضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعك
اضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعك