اكاديميه الاشهار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اكاديميه الاشهار

استايلات | برامج | خدمات | اكواد تومبيلات | اشهار المواقع | سكربتات | برامج الاشهار | شروحات البرامج | دعم فني | اكواد Css
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Blue
Sharp Pointer

شاطر | 
 

  من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
النايـف
النايـف


عضو نشيط

معلومات اضافيه
الْجِنْسِ : ذكر
عدد مساهماتك معنا : 96
نْـقٌٍـآطُْـيَـے : 52106

 من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون Empty
http://bahajt.mountadamajani.com/index.htm
مُساهمةموضوع: من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون    من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 15, 2010 1:37 am

من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون

قالالله تبارك وتعالى:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَاتَعْبُدُونَ * وَلاأَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌمَّا عَبَدتُّمْ *وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْدِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾(الكافرون : 1- 6)

أولاً- هذه السورة مكية، وآياتها ست آيات ،وتسمى : سورة البراءة ، وسورة الإخلاص . وروى الترمذيمن حديث أنس رضيالله عنه :« إنها تعدِل ثُلثَ القرآن » . وروى ابنالأنباري عن أنس- رضيالله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«قُلْ يَا أَيُّهَاالْكَافِرُونَ ، تعدل رُبُعَ القرآن » . وخرج الحافظ عبدالغني بن سعيد عنابن عمر- رضي الله عنهما- قال : صلى النبي صلى الله عليهوسلم بأصحابه فيصلاة الفجر في سفر ، فقرأ :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَاالْكَافِرُونَ ﴾ ، و﴿ قُلْهُوَ اللهُ أَحَد ﴾ ، ثم قال صلى الله عليه وسلم:« قرأت عليكم ثُلثَالقرآن ، ورُبُعَه » . وخرَّج ابنُ الأنباري عن نوفلالأشجعي ، قال : جاءرجُل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني ، قال:« اقرأ عند منامك: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ؛ فإنَّها براءةٌ منالشِّركِ » .

وقالابن عباس رضي الله عنهما :« ليس في القرآن أشدُّغيظًا لإبليس - لعنه الله- من هذه السورة ؛ لأنها توحيد ، وبراءة من الشرك» . وقال الأصمعي :« كانيقال لـ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ، و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد ﴾المقشقشتان » . أي : إنهما تبرئان من النفاق ؛ كمايقشقش القطِرانُ الجرب، فيبرئه .

وروى جبير بن مطعم أن النبي صلىالله عليه وسلم قال :«أتحب يا جُبيرُ ، إذا خرجت سفرًا ، أن تكون منأَمْثَلِ أصحابك هيْئةً ،وأكْثرِهم زادًا ؟ » قلت : نعم . قال :« فاقرأهذه السُّوَر الخمسَ من أول: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، إلى :قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وافتتح قرءاتك ببسم الله الرحمن الرحيم ». قال : فوالله ، لقد كنت غيركثير المال . إذا سافرت ، أكون أبذَّهُم هيئة، وأقلهم مالاً ، فمذ قرأتهن، صرت من أحسنهم هيئة ، وأكثرهم زادًا ، حتىأرجع من سفري ذلك .

وروىابن اسحق في سبب نزول هذه السورة الكريمة ،فقال :« اعترض رسول الله صلىالله عليه وسلم ، وهو يطوف بالكعبة- فيمابلغني- الأسود بن المطلب بن أسدبن عبد العزى ، والوليد بن المغيرة ، وأميةبن خلف ، والعاص بن وائلالسهمي ، وكانوا ذوي أسنان في قومهم ، فقالوا : يامحمد ! هَلُمَّ ،فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن ، وأنت فيالأمر ؛ فإن كانالذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإنكان ما نعبد خيرًامما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه . فأنزل الله تعالى فيهم:﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ.. ﴾ إلى آخر السورة » .

ومماينبغي الإشارةإليه هنا أن العرب في جاهليتهم الأولى لم يكونوا يجحدون اللهتعالى ؛ولكنهم كانوا لا يعرفونه بحقيقته التي وصف سبحانه وتعالى بها نفسه، والتيعرفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ، شأنهم في ذلك شأنالأممالأخرى ؛ ولهذا كانوا يشركون به آلهتهم في العبادة ، وكانوا لايقدرونه حققدره ، ولا يعبدونه حق عبادته ؛ كغيرهم ممَّن سبقهم من عبَّادالأصناموالأوثان . لقد كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى ، وأنه الخالقللسمواتوالأرض ، والخالق لذواتهم ؛ ولكنهم مع إيمانهم به ، كان الشرك يفسدعليهمتصوُّرَهم ، كما كان يفسد عليهم تقاليدهم وشعائرهم . وكانوا يعتقدونأنهمعلى دين إبراهيم عليه السلام ، وأنهم أهدى من أهل الكتاب الذينكانوايعيشون معهم في الجزيرة العربية ؛ لأن اليهود يقولون : عزيرٌ ابنُالله .والنصارى يقولون : عيسى ابنُ الله ، بينما هم يعبدون الملائكة والجن، علىاعتبار قرابتهم من الله - على حدِّ زعمهم- فكانوا يحسبون أنفسهمأهدىوأقوم طريقًا ؛ لأن نسبة الملائكة والجن إلى الله تعالى أقرب من نسبةعزيروعيسى . وهذا كله شرك ، وليس في الشرك خيار .

ولما جاءهم محمدصلىالله عليه وسلم يقول :﴿ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىصِرَاطٍمُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَاكَانَمِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾(الأنعام: 161) ، قالوا : نحن على دين إبراهيم، فماحاجتنا- إذًا- إلى ترك ما نحن عليه ، واتباع محمد ؟! وفي الوقت ذاتهراحوايحاولون مع الرسول صلى الله عليه وسلم خطةً وسطًا بينهم وبينه ،فعرضواعليه أن يسجد لآلهتهم مقابل أن يسجدوا هم لإلهه ، وأن يسكت عن عيبآلهتهموعبادتهم ، وله فيهم وعليهم ما يشترط !

ولعل اختلاط تصوراتهم،واعترافهم بوجود الله مع عبادة آلهة أخرى معه ، كان يشعرهم أنالمسافةبينهم ، وبين محمد صلى الله عليه وسلم قريبة يمكن التفاهم عليها ؛وذلكبقسمة البلد بلدين ، والالتقاء في منتصف الطريق ، مع بعض الترضياتالشخصية؛ كما يفعلون في التجارة تمامًا . وفرق بين الاعتقاد ، والتجارةكبير !فصاحب العقيدة لا يتخلى عن شيء منها ؛ لأن الصغير منها كالكبير ؛ بلليسفي العقيدة صغير وكبير ، إنها حقيقة واحدة متكاملة الأجزاء ، لا يطيعفيهاصاحبها أحدًا ، ولا يتخلى عن شيء منها أبدًا . وما كان يمكن أنيلتقيالإسلام ، والجاهلية في منتصف الطريق ، ولا أن يلتقيا في أي طريق ؛وذلكحال الإسلام مع الجاهلية في كل زمان ومكان- جاهلية الأمس واليوموالغدكلها سواء- إن الهُوَّة بينها ، وبين الإسلام لا تُعْبَرُ ، ولاتقامعليها قنطرة ، ولا تقبل قسمة ، ولا صلة ، ولا مساومة ؛ وإنما هوالنضالالكامل الذي يستحيل فيه التوفيق بين الحق والباطل !

وقدوردتروايات شتى فيما كان يساوم فيه المشركون النبي صلى الله عليه وسلم،ويدهنون له ؛ ليدهن لهم ويلين ، كما يودون ، ويترك سبَّ آلهتهموتسفيهعبادتهم ، أو يتابعهم في شيء مما هم عليه ؛ ليتابعوه في دينه ، وهمحافظونماء وجوههم أمام جماهير العرب ، على عادة المساومين الباحثين عنأنصافالحلول ! ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان حاسمًا في موقفه من دينه، لايساوم فيه ، ولا يدهن ، ولا يلين ، حتى وهو في أحرج المواقف العصيبةفيمكة ، وهو محاصر بدعوته ، وأصحابه القلائل يتخطَّفون ويعذَّبونويؤذَوْنفي الله أشدَّ الإيذاء ، وهم صابرون ، ولم يسكت عن كلمة واحدةينبغي أنتقال في وجوه الطغاة المتجبرين ، تأليفًا لقلوبهم ، أو دفعًالأذاهم ، ولميسكت كذلك عن إيضاح حقيقة تمس العقيدة من قريب ، أو من بعيد ،وهو فيماعدا الدين ألين الخلق جانبًا ، وأحسنهم معاملة ، وأبرُّهم بعشيرة،وأحرصهم على اليسر والتيسير . فأما الدين فهو الدين ، وهو فيه عندتوجيهربه ، حيث يقول له سبحانه :

﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ﴾(القلم: Cool

﴿وَإِنْكَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْبَرِيئُونَمِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾(يونس:41)

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَاتَعْبُدُونَ * وَلاأَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌمَّا عَبَدتُّمْ *وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْدِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾(الكافرون: 1- 6)

ثانيًا- وافتتاحالسورة الكريمة بهذا الأمرالإلهي الحاسم :﴿ قُلْ ﴾ لإِظهار العناية بمابعد القول ، وهو افتتاح مُوحٍبأن أمر هذه العقيدة هو أمر الله تعالى وحده، ليس لمحمد صلى الله عليهوسلم فيه شيء ؛ إنما هو الله الآمر الذي لامردَّ لأمره ، والحاكم الذي لارادَّ لحكمه ؛ ففي قوله تعالى :﴿ قُلْ ﴾دليل على أنه مأمور بذلك من عندالله .

والخطاب بقوله :﴿ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ هو خطاب لجنسالكفار ، فيعم كل كافر على وجهالأرض إلى يوم القيامة ، ويدخل فيه كفار مكةدخولاً أوليًّا ؛ إذ كانوا همالمقصودون أولاً بهذا الخطاب . وخطابه صلىالله عليه وسلم لهم بهذا الوصففي ناديهم ومكان بسطة أيديهم ، مع ما فيه منالإرذال بهم والتحقير لهم ،دليل على أنه محروس من عند الله تعالى ، لايبالي بهم . وإنما ابتدىءالخطاب بهذا النداء ﴿ يَا أَيُّهَا ﴾ الذي يجمعبين نداء النفس ونداءالقلب ونداء الروح ؛ لأن النداء يُستَدعَى به إقبالُالمُنادَى على ماسيُلقَى عليه ، بنفسه وقلبه وروحه .

و﴿الْكَافِرُونَ ﴾ جمع :كافر، على وزن : فاعل ، من قولهم : كفر يكفر .والكفر في اللغة هوالسَّتْرُ والتغطية . ووُصِفَ الليل بالكافر ؛ لأنهيغطي كل شيء . ووُصِفَالزارع بالكافر ؛ لأنه يغطي البذر في الأرض .وكُفْرُ النعمة وكُفْرانُها: تغطيتها بترك أداء شكرها . قال أحدهم :« لوجاز أن تعبد الشمس في دينالله ، لكنت أعبدها ؛ فإنها شمس ما ألقت يدًا فيكافر ، ولا وضعت يدًا إلافي شاكر » . فالكفر يضادُّه الشكر ، وهو مصدرسماعي لكَفَر يكفُر . وأصله: جَحْدُ نعمةَ المُنْعِم ، واشتقاقه من مادةالكَفْر ، بفتح الكاف ، وهوالسَّتْرُ والتَّغطِيةُ ؛ لأن جاحد النعمة قدأخفى الاعتراف بها ؛ كما أنشاكرها أعلنها ؛ ولذلك صيغ له مصدر على وزانالشُّكر ، وقالوا أيضًا :كُفْرانٌ ، على وزن شُكْران . ثم أطلق الكفر فيالقرآن الكريم على جحودالوحدانية أو الشريعة أو النبوة ، بناء على أنه أشدصور كفر النعمة ؛ وذلكأعظم الكفر .

واستعمال الكفران في جحودالنعمة أكثر من استعمالالكفر . ومنه قول الله تعالى :﴿ فَمَن يَعْمَلْمِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَمُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾(الأنبياء: 94) . واستعمال الكفر فيالدين أكثر من استعمال الكفران . ومنهقول الله تعالى :﴿ وَمَن يَكْفُرْبِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِوَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِفَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾(النساء:136) ، وقوله سبحانه وتعالى :﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُفَأُوْلَـئِكَ هُمُالْكَافِرُونَ ﴾(المائدة: 44) . وأما الكُفُور فيستعملفيهما جميعًا ؛ كمافي قول الله تعالى :﴿ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّكُفُوراً ﴾(الإسراء:99) .

وجاء الأمر في السورة الكريمة بندائهمبوصف الكافرين :﴿ قُلْيَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ، وجاء في سورةالزُّمَر بندائهم بوصفالجاهلين :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّيأَعْبُدُ أَيُّهَاالْجَاهِلُونَ ﴾(الزمر: 64) . وبيانه : أن هذه السورةنزلت فيهم بتمامها ،وليس كذلك سورة الزُّمَر ؛ ولهذا كان لابدَّ من أنتكون المبالغة بالوصففيها أبلغَ وأشدَّ . ولا يوجد لفظ أبلغ في الكشف عنحقيقة هؤلاء ، وأشدُّوقعًا عليهم ، وإيلامًا لهم من لفظ ( الكافرين ) . ثمإنه لا يوجد لفظأبشع ولا أشنع من هذا اللفظ ؛ لأنه صفة ذمٍّ عند جميعالخلق ، سواء كانمطلقًا ، أو مقيدًا . أما لفظ ( الجهل ) فإنه عند التقييدقد لا يذم ؛كقوله عليه الصلاة والسلام في علم الأنساب :« علم لا ينفع ،وجهل لا يضر »، خلافًا للجهل المطلق فهو الذي يذم ؛ إذ هو كالشجرة ،والكفر منه كالثمرة. فلما نزلت السورة ، وقرأها على رؤوسهم شتموه وأيسوامنه . ولكون الكفرثمرة للجهل وصفة ذمٍّ ، لم يقع الخطاب به في القرآنالكريم في غير موضعين، هذا أحدهما . والثاني قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَاالَّذِينَ كَفَرُوالَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ﴾(التحريم: 7) .

والفرقبين الوصفين: أن ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ يحتمل أن يكونوا قد آمنوا ، ثمكفروا . وأما﴿ الْكَافِرُونَ ﴾ فيدل على أن الكفر صفة ملازمة لهم ، ثابتةفيهم ، سواءكانوا أصحاب عقيدة يؤمنون بأنها الحق ، أو لم يكونوا . وهكذايوحي مطلعالسورة وافتتاحها بهذا الخطاب ، بحقيقة الانفصال الذي لا يُرجَىمعه اتصالأبدًا بين الكفر والإيمان ، وبين الحق والباطل !

ولسائلأن يسأل :لمَ جاء خطابهم في قوله تعالى :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَاالْكَافِرُونَ ﴾بالأمر ﴿ قُلْ ﴾ ، وجاء بدونه في قوله :﴿ يَا أَيُّهَاالَّذِينَ كَفَرُوالَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ﴾(التحريم: 7) ؟ ويجاب عنذلك بأن الخطاب فيسورة التحريم إنما هو خطاب لهم يوم القيامة ، وهو يومٌلا يكون فيه الرسولرسولاً إليهم . ثم إنهم في ذلك اليوم يكونون مطيعين ،لا كافرين ؛ فلذلكذكرهم الله عز وجل بقوله :﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ . وأماالخطاب في سورةالكافرين فهو خطاب لهم في الدنيا ، وأنهم كانوا موصوفينبالكفر ، وكانالرسول صلى الله عليه وسلم رسولاً إليهم ؛ فلهذا جاء خطابهمبقوله تعالى:﴿ قُلْ ﴾ . وفي ذلك إشارة إلى أن من كان الكفر وصفًا ثابتًاله لازمًا لايفارقه ، فهو حقيق أن يتبرَّأ الله تعالى ورسله منه وممَّايعبد من دونالله تعالى ، ويكون هو أيضًا بريئًا من الله تعالى ورسلهودينهم .

فإنقيل : إنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورًا بالرفقواللين في جميع الأمور؛ كما قال تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(الأنبياء: 107) ، ﴿ وَلَوْ كُنتَ فَظّاًغَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْمِنْ حَوْلِكَ ﴾(آل عمران: 159) . كما أنهكان مأمورًا بأن يدعو إلى اللهتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإلى ذلكالإشارة بقوله تعالى :﴿ ادْعُإِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِوَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(النحل: 125) ، ولما كان الأمركذلك ، فكيف يليق ذلك الرفق واللين والحسنبهذا التغليظ في قوله :﴿ قُلْيَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ؟

فالجوابعن ذلك بأنه عليه الصلاةوالسلام مأمور بهذا الكلام من الله عز وجل ، لاأنه ذكره من عند نفسه ،فهو رسول مبلغ عن ربه ما أمره بتبليغه ؛ كما نصَّعلى ذلك قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَإِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِنلَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُوَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَالنَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَالْكَافِرِينَ ﴾(المائدة:67) ، فأمره سبحانه بتبليغ كل ما أنزل عليه ،فلما قال له تعالى :﴿ قُلْيَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ نقل هو- عليهالصلاة والسلام- هذا الكلامبجملته ، وبلغه إلى كل كافر ؛ كما أمره ربه جلوعلا . والسور المفتتحة فيالقرآن بالأمر ﴿ قُلْ ﴾ خمس سور : سورة الجن ،وسورة الكافرون ، وسورةالإخلاص ، والمعوِّذتان ؛ فالثلاث الأول نزلت لقوليبلِّغه ، والمعوِّذتاننزلتا لقول يقوله لتعويذ نفسه .

ثالثًا-وقوله :﴿ لا أَعْبُدُ مَاتَعْبُدُونَ ﴾ جواب للنداء ، وهو نفي لعبادته مايعبدونه فيما هو كائن لمينقطع ، وقابله بقوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَمَا أَعْبُدُ ﴾ ، وهونفي لعبادتهم ما يعبده هو في المستقبل . وأما قوله :﴿وَلا أَنَا عَابِدٌمَّا عَبَدتُّمْ ﴾ فهو نفي لعبادته ما عبدوه فيالمستقبل ، وقابله بقوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، وهونفي لعبادتهم ما يعبدهفي المستقبل . وعلى هذا فلا تكرار أصلاً في السورة ،خلافًا لمن زعم أنهذا تكرار الغرض منه التوكيد . وبهذا الذي ذكرت تكونالآيات الكريمة قداستوفت أقسام النفي عن عبادته صلى الله عليه وسلم ،وعبادة الكافرين ، فيالماضي والحاضر والمستقبل ، بأوجز لفظ وأخصره وأبينه .

ثمإن فيتكرير الأفعال بصيغة المضارع ﴿ أَعْبُدُ ﴾ الذي يدل على ما هو كائنلمينقطع حين أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه ، وتكريرها بصيغة المضارع﴿أَعْبُدُ ﴾ والماضي ﴿عَبَدتُّمْ ﴾ حين أخبر عنهم ، سرٌّ بديع منأسرارالبيان ، وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله تعالى له عن الزيغوالانحرافعن عبادة معبوده ، والاستبدال به غيره ، وأن معبوده عليه الصلاةوالسلامواحد في الحال ، وفي المآل على الدوام ، لا يرضى به بدلاً ، ولايبغي عنهحولاً ، بخلاف الكافرين ؛ فإنهم يعبدون أهواءهم ، ويتبعون شهواتهمفيالدين وأغراضهم ، فهم بصدَد أن يعبدوا اليوم معبودًا ، وغدًا يعبدونغيره .

رابعًا-وقال :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْعَابِدُونَ مَاأَعْبُدُ ﴾ ، فعبَّر عن معبودهم ، ومعبوده بـ« مَا » ، وهيفي مذهبالجمهور لما لا يعقل . فإن صحَّ التعبير بها عن معبودهم ؛ لأنهأصنام لاتعقل ، فكيف عبَّر بها عن معبوده ، وهو الباري جل وعلا ؟ ولمَ لمْيعبِّرعنه بـ« مَنْ » التي أجمعوا على وقوعها على من يعقل ، فيقول :﴿وَلاأَنتُمْ عَابِدُونَ مَنْ أَعْبُدُ ﴾ ؟

وقد أجابوا عن ذلك من وجوه :

أحدها:أن « مَا » بمعنى :« الَّذِي » ، وهو اسم موصول يُعبَّر به عن العاقل،وغير العاقل . والتقدير : لا أعبد الذي تعبدون ، ولا تعبدون الذي أعبد .

والثاني : أن المراد من معبودهم ومعبوده الصفة ، والمعنى : لا أعبد الباطل ، ولا أنتم تعبدون الحق .

والثالث:أن « مَا » مصدرية تقدَّر مع ما بعدها بالمصدر ، والمعنى : لا أعبدعبادتكم، ولا أنتم تعبدون عبادتي . كما في قوله تعالى :﴿ فَانكِحُوا مَاطَابَلَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾(النساء: 3) . أي : فانكحوا الطيِّب منالنساء .

والرابع: أنه لما قال أولاً :﴿ لَا أَعْبُدُ مَاتَعْبُدُونَ ﴾ ، ومعبودهم لا يصلحللتعبير عنه إلا « مَا » ، حمل عليهقوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَاأَعْبُدُ ﴾ ، وإن كان المراد بمعبودهالباري جل وعلا ، قصدًا لازدواجالكلام في البلاغة والفصاحة ، فاستوى بذلكاللفظان وتقابل الكلامان ، ولميتنافيا .

والخامس : أن « مَا » ،و« مَنْ » قد تتعاقبان ، فتقعإحداهما موقع الأخرى ؛ كما في قوله تعالى فيأحد القولين :﴿ فَانكِحُوا مَاطَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾(النساء: 3)، ﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَآبَاؤُكُم ﴾(النساء: 22) . أي : فانكحوامَنْ طاب لكم من النساء ، ولاتنكحوا من نكح آباؤكم منهن ، فعبَّر بـ« مَا» تنزيلاً للإناث منزلة غيرالعقلاء . وقوله :﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنيَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَنْلَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ ﴾(الأحقاف: 5) . أي: يدعو من دون الله ما لا يستجيبله ، فعبَّر عنه بـ« مَنْ » تنزيلاً لمالا يعقل منزلة العقلاء .

وفي الإجابة عن ذلك نقول بعون الله وتعليمه :

1-أماالقول بأن « مَا » بمعنى « الَّذِي » فهو مبنيُّ على اعتبار أنهمااسمانموصولان . وهذا الاعتبار مبني في الأصل على التقسيم الثلاثي القاصرلأقسامالكلم في اللغة العربية ؛ إذ حصروه في : الاسم والفعل والحرف .وكان ينبغيأن تحل الأداة محل الحرف في هذا التقسيم ؛ كما كان ينبغي أنتتسع دائرة هذاالتقسيم ؛ لتشمل ما يسمَّى بالصفة ، والضمير ، وغيرهما منالكلمات التي لمتنل حظًّا وافرًا من التحقيق اللغوي .

ومن الواضحأن حصر أنواعالكلم في الاسم والفعل والحرف قد خلق كثيرًا من اللبسوالاختلاط وسوء الفهم؛ فمن ذلك إطلاقهم مصطلح الاسم على أنواع من الضمائروالصفات ، فكان هناكما يسمَّى بالأسماء الموصولة ، وكان ينبغي أن يطلقعليها : الضمائرالموصولة . وهذه الضمائر الموصولة بعضها صفات ؛ كـ«الَّذِي » و« الَّتِي »، وبعضها الآخر كنايات ؛ كـ« مَنْ » و« مَا » .

ويمكنإدراك الفرقبين « الَّذِي » ، و« مَا » ، و « مَنْ » من مراقبة وظيفة كلمنها فيالجملة . تقول :« الرجل الذي زارني عالم » ، ولا تقول :« الرجل مازارنيعالم » ، أو :« الرجل من زارني عالم » ؛ لأن « مَا » ، و« مَنْ » لايكونانصفة كما يكون « الَّذِي » ؛ وإنما يكونان كناية .. فإذا قيل :«الذي زارنيعالم » فمن حلول الصفة محلَّ الموصوف . وإذا قيل :« من زارنيعالم » و :«ما عندي خير مما عندك » ، فمن حلول الكناية محلَّ المَكْنِيِّعنه ،ويُعَبَّر بهما عن المفرد والجمع ، بخلاف « الَّذِي » ؛ إذ لايُعَبَّر بهإلا عن المفرد .. وهذا هو أحد أوجه الفرق بين هذه الألفاظالثلاثة .

2-وأما القول بأن المراد من معبودهم ومعبوده الصفة ،وأن المعنى : لا أعبدالباطل ، ولا أنتم تعبدون الحق ، فهو قول فاسد ؛ لأنالمراد إعلام الكافرينبراءتم من عبادة معبوده الموصوف بأنه الحق ،وبراءته عليه الصلاة والسلاممن عبادة معبودهم الموصوف بالباطل . وفرقكبير بين أن يقال : فلان يعبدالله الحق ، وبين أن يقال : فلان يعبد الحق؛ فالثاني فاسد قطعًا ؛ بل هوشرك نعوذ بالله تعالى منه ؛ لأن الصفة غيرالموصوف ، وإن كانت صفة لله .فالعبادة لا تكون للصفة ؛ وإنما تكون لله عزوجل الموصوف بهذه الصفة ،والتي استحق لأجلها العبادة . فلو تعبد الإنسانلصفة من صفات الله ، لم يكنمتعبدًا لله ؛ وإنما يكون متعبدًا لتلك الصفة. قال تعالى :﴿ قُلْ إِنَّصَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيلِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الأنعام: 162) . فلكونه تعالى رب للعالميناستحق العبادة .

3-وأما القول بأن « مَا » مصدرية تقدَّر مع مابعدها بالمصدر ، وأن المعنى :لا أعبد عبادتكم ، ولا أنتم تعبدون عبادتي ،فليس كذلك ؛ إذ المراد- كماتقدم- براءته عليه الصلاة والسلام من معبودهم، وإعلامهم أنهم بريئون منمعبوده . فالمقصود المعبود لا العبادة ، ولوجعلت مصدرية ، لما دلت على هذاالمعنى .. فتبين أن كونها موصولة أنسبوأجود ؛ لإبهامها ووقوعها على الجنسالعام . ونظير ذلك قوله تعالى :﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِيوَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْبَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌمِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾(يونس:41) .

وأما قوله تعالى :﴿ فَانكِحُوامَا طَابَ لَكُم مِّنَالنِّسَاء ﴾(النساء: 3) فليست « مَا » فيه مصدرية ،أو واقعة موقع « مَنْ» ، وإنما أوثر التعبير هنا بـ« ما » ؛ لأنه نُحِيَبها مَنْحَى الصفة ،وهو الطِّيب من جنس النساء بِلا تعيين ذات ، وإن كانفيها الإشارة إلىالذات . أو أريد بها النوع . أي : فانكحوا النوع الطيب منالنساء . ولوقيل :&679&5:فانكحوا مَنْ طاب لكم ) ، لتبادر إلىالذهن إرادة نسوة معروفات بينهمبحسبهن ونسبهن .. وكذلك حال « مَا » فيالاستفهام ، فإذا قلت :« ما تزوجت؟ » فأنت تريد : ما صفتها ؟ أبكرًا ، أمثيِّبًا ؟ . وإذا قلت :« مَنْتزوجت ؟ » فأنت تريد تعيين اسمها ونسبها ..وهذا- كما قال ابن قيِّمالجوزيَّة- باب لا ينخرم ، وهو من ألطف مسالكالعربية .. فتأمل !!!

4- وأما القول بأنه قال :﴿ وَلا أَنتُمْعَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، ولم يقل :&679&5:من أعبد ) ؛ ليقابلبه ، قوله :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ ، فهو قولمبني على أن المرادبمعبودهم الأصنام ، وهو قول ضعيف ؛ لأنه يحصر براءتهعليه الصلاة والسلاممن عبادة الأصنام التي يعبدها كفار العرب ، دون غيرهامما يعبده كفار أهلالأرض جميعهم من دون الله عز وجل . والنبي عليه الصلاةوالسلام قد أعلنبراءتهم من عبادة معبوده ، وبراءته من عبادة معبودهم علىالإطلاق ، فشملتالبراءة كل ما يعبده الكفار من الأصنام والأوثان ، ومنشياطين الإنس والجن، ومن الملائكة والمسيح ، وغير ذلك مما يعقل ولا يعقل. فتخصيص البراءة منالشرك بشرك كفار العرب غلط عظيم ؛ وإنما هي براءة منكل شرك . ثم إن كونالرب جل وعلا يتصف بما تتصف به الأصنام من عدم العلمفهو مما لا يجوز عليهسبحانه ، ولا تصح المقابلة فى مثل ذلك ؛ بل المقصودالتعبير عن معبودهمومعبوده على الإطلاق دون تخصيص ؛ ليتبرأ من معبودهم ،ويبرئهم من معبودهعلى الإطلاق .

5- وأما القول بأن « مَا » ، و«مَنْ » قد تتعاقبانفتقع إحداهما موقع الأخرى ، فليس كذلك ؛ لأن « مَا »ضمير موصول يقع علىالأجناس كلها ، ولا يقع فيها إلا على جنس تتنوَّع منهأنواع . فإذا أوقعوهاعلى نوع بعينه وخصُّوا بها ما يعلم ويعقل ، أبدلواألفها نونًا ساكنة ،فقالوا :« مَنْ » .

تأمل قول الله تعالى :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَاتَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَاخَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِأَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِيبِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِهَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْصَادِقِينَ ﴾(الأحقاف: 4)، كيف عبَّر سبحانه عن معبود الكافرين بقوله :﴿مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِاللَّهِ ﴾ ، فدل على أنه جنس تحته أنواع ، هيأصنامهم وأوثانهم ، وكل مايدعونه من دون الله تعالى مما يعقل ولا يعقل .وهذا المعنى لا يصلح للتعبيرعنه غير « مَا » المبهمة التي تقع على كل شيء.

ثم تأمل قوله تعالىفي الآية التي تلت الآية السابقة :﴿ وَمَنْأَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْدُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْعَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾(الأحقاف:5) ، كيف عدل سبحانه عن « مَا » فيالآية السابقة إلى « مَنْ » في قوله :﴿مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ ﴾ ، فدلعلى أن المراد به النوع الذي يعقلممَّن يدعونه من دون الله ، من شياطينالإنس والجن ، والملائكة وعيسى ،ونحوهم ؛ فإن هؤلاء لا يستجيبون لمنيعبدونهم ويدعونهم من دون الله إلىيوم القيامة ، وهم عن دعائهم غافلون .

فلماكان المراد الجنس العامدون تخصيص أتِي بـ« مَا » ، ولما كان المراد نوعمعين من أنواع الجنسالعام ، وتخصيصه بمن يعقل أتِيَ بـ« مَنْ » . ولو كانالمعنى في الموضعين-على ما قيل- واحدًا ، لم يكن لهذا العدول أي معنى .ولو كان المراد بـ﴿مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ الأصنام وحدها ،لما احتيج تقييدهبقوله تعالى :﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ . وهذا الاحتياجينبعث من كون « مَا» مبهمة عامة . وحيث كانت بإبهامها وعمومها واقعة علىالجنس العامومتناولة لله جل وعلا ، احتيج ذلك إلى هذا التقييد . فلو كانتمختصة بمالا يعقل ، لما احتيج إليه ، ولما كان له فائدة سوى التأكيد . أمابناء علىأنها واقعة على الجنس العام ، ومتناولة لما يعقل وما لا يعقل ،تكون فائدةهذا التقييد التأسيس . والتأسيس أولى من التأكيد ؛ لأنه الأصل ،فحملالكلام عليه أولى من حمله على التأكيد .

خامسًا- وقد سبق أنذكرناأن الخطاب في قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ هو خطاب للجنس،فيتناول كل كافر ؛ سواء كان ممن يظهر الشرك ، أو كان ممن فيه تعطيللمايستحقه الله تعالى من العبادة ، واستكبار عن عبادته . ولذلك لم يقل:&679&5: يا أيها المشركون ) . أو :&679&5: يا أيهاالنصارى ) . أو :&679&5: يا أيها اليهود ) ؛ وإنما قال :﴿ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ! فخاطب جنس الكافرين على اختلاف أنواعهمومشاربهم .

ثمقال :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْعَابِدُونَ مَاأَعْبُدُ ﴾ ، فنفى عليه الصلاة والسلام عبادته لما يعبدون ،وعبادتهم لمايعبد نفيًا مطلقًا . وما يعبدونه هم ويعبده هو معناه :المعبود . والمعبودلفظ مطلق يتناول المفرد والجمع ، والمذكر والمؤنث ؛ فهويتناول كل معبودلهم . والمعبود هو الإله ، ويتضمن إضافة إلى العابد ؛فكأنه- عليه الصلاةوالسلام- قال : لا أعبد إلهكم ، ولا تعبدون إلهي ؛ كماذكر الله تعالى فىقصة يعقوب عليه السلام ، فقال :

﴿ أَمْ كُنتُمْشُهَدَاء إِذْحَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَاتَعْبُدُونَ مِنبَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَإِبْرَاهِيمَوَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُمُسْلِمُونَ﴾(البقرة: 133)

فأخبر سبحانه أن إله يعقوب وإله آبائه-إبراهيموإسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم- هو الذي يعبده هؤلاء ،ويألهونه، ويعبده كل من كان على ملتهم ؛ كما قال يوسف عليه السلام :

﴿إِنِّيتَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُمبِالآخِرَةِ هُمْكَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَوَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَبِاللّهِ مِن شَيْءٍ ﴾(يوسف:37- 38) إلى قوله :﴿ ذَلِكَ الدِّينُالْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾(يوسف: 40)

فتبين أن ملة آبائه هي عبادة الله جل وعلا ، وهي ملة إبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم السلام ، وقد قال الله تعالى :

﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾(البقرة: 130)

فبينأنكل من رغب عن ملة إبراهيم – عليه السلام - فهو سفيه . وإذا كانكذلكفاليهود والنصارى وكفار مكة وغيرهم ليسوا على ملة إبراهيم . وإذالميكونوا على ملته ، لم يكونوا يعبدون إلهه .

ولفظ الإله يراد به:المستحق للإلهية والعبادة . ويراد به : كل ما اتُّخِذ إلهًا باطلاًوعُبِدمن دون الله سبحانه ، وهو جنس تحته أنواع منه ؛ كالأصنام ، والأوثان،والمسيح بن مريم ، وعُزَيْر ، والأحبار والرهبان ، والإناث من الملائكة،والشياطين من الإنس والجن ، والشمس والقمر ، والدرهم والدينار ، وكلماعبد ويعبد من دون الله سبحانه ، ممَّا يسمَّى آلهة .

إذا عرفتذلك، تبيَّن لك أن المراد بقوله :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾التعبيرعن إله الكافرين على الإطلاق ، دون تخصيص بالأصنام ، أو غيرها ،وأنالمراد بقوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ التعبير عنإلههجل وعلا على الإطلاق ، دون تخصيص ؛ لأن امتناعهم عن عبادة الله تعالىلميكن لذاته ؛ بل كانوا يظنون أنهم كانوا يعبدون الله ؛ ولكنهم كانواجاهلينبه . قال تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِقَالُواوَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْنُفُوراً﴾(الفرقان: 60) ، فقالوا :﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُلِمَاتَأْمُرُنَا ﴾ ؛ لأنهم لا يعرفونه بحقيقته التي وصف سبحانه وتعالىبهانفسه ، والتي عرفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ووصفه بها .ولوكانوا يعرفونه حق معرفته ويقدرونه حق قدره ، لقالوا:&679&5:ومن الرحمن ؟ أنسجد لمن تأمرنا ؟ ) ؛ ولهذا ناسب إيقاع «مَا » عليه ، دون« مَنْ » ؛ لأن من جلت عظمته حتى خرجت عن الحصر وعجزتالأفهام عن كنه ذاته، وجب أن يقال فيه :« هو ما هو » ؛ كقول العرب :«سبحان ما سبح الرعدبحمده » ، وقولهم :« سبحان ما سخَّركُنَّ لنا » . فـ«مَا » في هذه الموضعونحوه اقتضاها الإبهام وتعظيم المعبود ، مع أن الحسَّمنهم مانعٌ لهم أنيعبدوا معبوده كائنًا ما كان ؛ فلهذا حسُنت ، دون « مَنْ» .

وبنحوهذا أجاب الشيخ السهلي رحمه الله ، ثم ذكر جوابًا آخر ؛وهو :« أنهم كانوايشتهون مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حسدًا لهوأنفة من اتباعه ،فهم لا يعبدون معبوده ، لا كراهية لذات المعبود ؛ ولكنكراهية لاتباعه صلىالله عليه وسلم ، وشهوة منهم لمخالفته في العبادة ،كائنًا ما كان معبوده، وإن لم يكن معبوده إلا الحق سبحانه وتعالى .. فعلىهذا لا يصح في النظمالبديع والمعنى الرفيع إلا « مَا » ، لإبهامها ،ومطابقتها الغرض الذيتضمنته الآية » .

وأقرب من هذا - كما قال ابنقيِّم الجوزيَّة- هو:« أن المقصود هنا ذكر المعبود ، الموصوف بكونه أهلاًللعبادة ، مستحقًالها ، فأتى بـ« مَا » الدالة على هذا المعنى ؛ كأنه قيل: ولا أنتم عابدونمعبودي ، الموصوف بأنه المعبود الحق . ولو أتى بلفظ «مَنْ » ، لكانت إنماتدل على الذات فقط ، ويكون ذكر الصلة تعريفًا ، لا إنهجهة العبادة . ففرقبين أن يكون كونه تعالى أهلاً لأن يعبد تعريف محض ، أووصف مقتض لعبادته.. فتأمله ، فإنه بديعٌ جدًّا » .

ويتضح لك ذلكإذا علمت أنالمعبود لا يعبد لذاته ؛ وإنما يعبد لصفاته لصفاته الدالة علىذاته ،أيًّا كان ذلك المعبود ؛ ولهذا أنكر الله تعالى على المشركين عبادةالآلهةمن دونه سبحانه ، ووبخهم عليها ؛ لأنهم عبدوا ذواتًا لا صفات لها،وسمُّوها بأسماء لا تستحقها ، وتركوا عبادة الله المتصف بصفاتالكمالوالجلال ، فقال عز وجل :

﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾(النحل: 17) ؟

﴿ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(الأنبياء: 67)

ولهذالماسأل فرعونُ موسى- عليه السلام- عن رب العالمين ؛ كالطالب لماهيَّته ،سألبـ« مَا » ، ولم يسأل بـ« مَنْ » ، فقال :﴿ وَمَا رَبُّالْعَالَمِينَ﴾(الشعراء: 23) ، فأجابه موسى عليه السلام ببيان الأوصافالمرشدة إلىمعرفة الله جل وعلا ، والتي استحق لأجلها أن يكون ربًّا ،وإلهًا معبودًا، فقال :﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَابَيْنَهُمَا ﴾(الشعراء:24) .

فإذا تأملت ما تقدم ، تبين لك أنه لايصح في النظم البديعوالمعنى الرفيع أن يعبَّر بـ« مَنْ » بدلاً من « مَا »، أو العكس . واللهتعالى أعلم .

سادسًا- ومن تأمل صيغ النفي فيالسورة الكريمة ،وجد أن النفي لم يأت في حق الكافرين إلا بصيغة الفاعل :﴿وَلا أَنتُمْعَابِدُونَ ﴾ . وأما في جهة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءبالفعلالمضارع :﴿ لا أَعْبُدُ ﴾ تارة ، وبصيغة الفاعل :﴿ وَلا أَنَاعَابِدٌ ﴾تارة أخرى ؛ وذلك- والله أعلم- لنكتة بديعة ، وهي أن المقصودالأعظم منذلك براءته صلى الله عليه وسلم من معبوديهم بكل وجه ، وفي كل وقت؛ ولهذاأتى في هذا النفي بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد ، ثم أتىبصيغةاسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت ، فأفاد في النفي الأول أنتلكالعبادة لا تقع منه أبدًا ، وأفاد في الثاني أن تلك العبادة ليست منوصفه، ولا من شأنه ؛ فكأنه قال عليه الصلاة والسلام : عبادة غير اللهتعالى لاتكون فعلاً لي ، ولا وصفًا من أوصافي ، فأتى بنفييْن لمنفيَّينمقصودينبالنفي . وأما في حق الكافرين فإنما أتى بصيغة الفاعل الدالة علىالوصفوالثبوت دون الفعل ، فأفاد ذلك أن الوصف الثابت اللازم العائد للهتعالىمنتفٍ عن الكافرين ؛ لأن هذا الوصف ليس ثابتًا لهم ، وإنما هو ثابتلمنخصَّ الله تعالى وحده بالعبادة ، ولم يشرك معه فيها أحدًا .

وعقَّبابنقيِّم الجوزيَّة على ذلك بقوله :« فتأمل هذه النكتة البديعة ، كيف تجدفيطيَّها أنه لا يوصف بأنه عابدٌ لله تعالى ، وأنه عَبْدُهُ المستقيمعلىعبادته ، إلا من انقطع إليه بكلِّيته ، وتبتَّل إليه تبتيلاً ، لميلتفتإلى غيره ، ولم يشرك به أحدًا في عبادته ، وأنه وإن عبده وأشرك بهغيره ،فليس بعابدٍ لله تعالى ، ولا عَبْدًا له سبحانه . وهذا من أسرارهذهالسورة العظيمة الجليلة التي هي إحدى سورتيْ الإخلاص والتي تعدلربعالقرآن ؛ كما جاء في بعض السنن . وهذا لا يفهمه كل أحد ، ولا يدركه إلامنمنحه الله فهمًا من عنده .. فلله الحمد والمِنَّة » .

سابعًا-ومنأسرار هذه السورة التي لا يكاد يُفطَن إليها أن النفي فيها أتىبأداةالنفي « لا » ، ولم يأت بالأداة « ما » ، مع أن نفي الحاضرالدائموالمستمر بـ« ما » أولى من نفيه بـ« لا » ، وأكثر منه استعمالاً .والسرفي ذلك أن « ما » لا ينفى بها في الكلام إلا ما بعدها ، وأنها لاتكون إلاجوابًا عن الدعوى . أما « لا » ، فينفى بها في أكثر الكلام ماقبلها ،فيكون ما بعدها في حكم الوجوب ، وأنها تكون جوابًا عن السؤال ،وتكونردًّا لكلام سابق . هذا من جهة . ومن جهة أخرى فإن « لا » إذا نفيبهاالمضارع ، فإنها تدل على نفيه نفيًا شاملاً مستغرقًا لكل جزء منأجزاءالزمن ، بدون قرينة تصحبها ؛ كما في قوله تعالى :﴿ عَالِمِ الغَيْبِلَايَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾(سبأ: 3) . أما « ما » فلا تدلعلىنفي المضارع على سبيل الاستغراق إلا بوجود قرينة تصحبها ، وهي « مِنْ»الاستغراقية ؛ كما في قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَمِنمِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾(يونس: 61).

وبهذا تكون هذه السورة العظيمةقداشتملت على النفي المحض ، وهذا هو خاصيَّتها ؛ فإنها سورة براءةٍمنالشرك- كما جاء في وصفها عن النبي صلى الله عليه وسلم- فالمقصودالأعظممنها هو البراءة المطلوبة بين الموحدين ، والمشركين ؛ ولهذا جيءبالنفي فيالجانبين تحقيقًا للبراءة المطلوبة ، مع أنها متضمنَّة للإثباتصريحًا ،فقول النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾براءةمحضة . وقوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ إثبات أن لهعليهالصلاة والسلام معبودًا يعبده ، وأنهم بريئون من عبادته . فتضمَّنتبذلكالنفي والإثبات ، وطابقت قول إمام الحنفاء سيدنا إبراهيم عليه السلام:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌمِمَّاتَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾(الزخرف:26- 27) ، وطابقت قول الفئة الموحّدة :﴿ وَإِذِاعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَايَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَىالْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْرَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْمِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾(الكهف: 16) ، فانتظمت بذلك حقيقة التوحيد بقول:« لا إله إلا الله » .

ولهذاكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرنهذه السورة العظيمة بسورة ( قل هو اللهأحد ) ، في سنة الفجر ، وسنة المغرب؛ فإن هاتين السورتين ( سورتي الإخلاص) قد اشتملتا- كما قال ابن قيِّمالجوزية- على نوعَيْ التوحيد الذين لانجاة للعبد ، ولا فلاح له إلا بهما :أولهما : توحيد العلم والاعتقاد .وثانيهما : : توحيد القصد والإرادة .

1-فأما توحيد العلموالاعتقاد فهو المتضمِّن تنزيه الله تعالى عمَّا لا يليقبه ، من الشركوالكفر، والولد والوالد ، وأنه إله أحد صمد ، لم يلد فيكونله فرع ، ولميولد فيكون له أصل ، ولم يكن له كفوًا أحد فيكون له مِثْل .ومع هذا فقداجتمعت له جل جلاله صفات الكمال كلها ، فتضمنَّت السورة إثباتما يليقبجلال الله عز وجل من صفات الكمال ، ونفي ما لا يليق بجلاله سبحانهمنالشريك أصلاً وفرعًا ، وشبهًا ومثلاً .. فهذا هو توحيد العلم والاعتقاد .

2-وأماتوحيد القصد والإرادة فهو أن لا يُعبدَ إلا الله جل وعلا ، فلايُشرَك بهفي عبادته سواه ؛ بل يكون وحده سبحانه هو المعبود . وسورةالكافرون مشتملةعلى هذا النوع من نوعيْ التوحيد ، فتضمنت بذلك السورتاننوعيْ التوحيد ،وأخلصتا له .

ثامنًا- ومن أسرار هذه السورةالعظيمة ما تضمنه قولهتعالى في ختامها من التأكيد :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْوَلِيَ دِينِ ﴾ . والسؤالهنا : هل أفاد هذا معنى زائدًا على ما تقدَّم ؟والجواب : أن النفي فيالآيات السابقة أفاد براءته صلى الله عليه وسلم منمعبوديهم ، وأنه لايتصور منه ، ولا ينبغي له أن يعبدهم ، وهم أيضًا لايكونون عابدين لمعبوده؛ كما أفاد إثبات ما تضمنه النفي من جهتهم من الشركوالكفر الذي هو حظهمونصيبهم ، فجرى ذلك مجرى من اقتسم هو ، وغيره أرضًا ،فقال له : لا تدخل فيحدِّي ، ولا أدخل في حدِّك ، لك أرضك ، ولي أرضي .فتضمَّنت الآية أن هذهالبراءة اقتضت أن المؤمنين ، والكافرين اقتسمواحظهم فيما بينهم ، فأصابالمؤمنين التوحيدُ والإيمان ، فهو نصيبهم الذياختصوا به ، لا يشركهمالكافرون فيه . وأصاب الكافرين الشركُ بالله تعالىوالكفر به ، فهو نصيبهمالذي اختصوا به ، لا يشركهم المؤمنون فيه .

ثمإن في تقديم حظالكافرين ونصيبهم في هذه الآية على حظ المؤمنين ونصيبهم ،وتقديم ما يختصبه المؤمنون على ما يختص به الكافرون في أول السورة ، منأسرار البيانوبديع الخطاب ، ما لا يدركه إلا فرسان البلاغة وأربابها ،وبيان ذلك :

أنالسورة لما اقتضت البراءة ، واقتسام دينَيْ التوحيدوالشرك بين النبي صلىالله عليه وسلم ، وبين الكافرين ، ورضي كلٌّ بقسمه ،وكان المحق هو صاحبالقسمة ، وعلم أنهم راضون بقسمهم الدون ، وأنه استولىعلى القسم الأشرف ،والحظ الأعظم ، أراد أن يشعرهم بسوء اختيارهم ، فقدمقسمهم على قسمه ،تهكمًا بهم ، ونداءً على سوء اختيارهم ، فكان ذلك- كماقال ابن قيِّمالجوزيَّة- بمنزلة من اقتسم هو ، وغيره سُمًَّا وشفاءً ،فرضي مقاسمهبالسمِّ ؛ فإنه يقول له : لا تشاركني في قسمي ، ولا أشاركك فيقسمك . لكقسمك ، ولي قسمي ! ولهذا كان تقديم قوله :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾على قوله :﴿وَلِيَ دِينِ ﴾ هنا أبلغ وأحسن ؛ وكأنه يقول : هذا هو قسمكمالذي آثرتموهبالتقديم ، وزعمتم أنه أشرف القسمين ، وأحقهما بالتقديم !!

وذكرابنقيِّم الجوزيَّة وجهًا آخر ؛ وهو : أن مقصود السورة براءة النبي صلىاللهعليه وسلم من دينهم ومعبودهم- هذا هو لبُّها ومغزاها- وجاء ذكربراءتهم مندينه ومعبوده بالقصد الثاني مكمِّلاً لبراءته ومحققًا لها .فلما كانالمقصود براءته من دينهم ، بدأ به في أول السورة ، ثم جاء قولهتعالى :﴿لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ مطابقًا لهذا المعنى . أي : لا أشارككم فيدينكم ، ولاأوافقكم عليه ؛ بل هو دين تختصون به أنتم ، فطابق آخر السورةأولها .

فتأمل هذه الأسرار البديعة المعجزة ، واللطائف الدقيقةالمبهرة التي تشهدأن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد ، وأنه الأعلى فيالبلاغة والفصاحةوالبيان ! نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يفقهون كلامه، ويدركون أسراربيانه ، والحمد لله على نعمة الفهم والعقل والدين .



الموضوع الأصلي : من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون  المصدر : منتديات اكاديميه الاشهار academy-of-pub


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
EgY KinG
EgY KinG


عضو ذهبى

معلومات اضافيه
الْجِنْسِ : ذكر
عدد مساهماتك معنا : 791
نْـقٌٍـآطُْـيَـے : 52747
تاريخ الميلاد : 04/11/1995
الْعُمْرَ : 29
هـِـوْاًيُتـًے : مدير ~~ طالب
مزاجيـــے : رايـــــ ق

 من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون Empty
http://www.runrivers.com
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون    من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 15, 2010 2:42 pm

أبحرت في بحر الكلامِ لأقتفـــي **** أحلى كليماتٍ وأحلى الأحــرفِ

لكنما الأمواج أردت قاربــــــــي **** فتحطمت خجلا جميع مجادفـــي

لو أنني أنشدت الف قصــــــــيدة **** لوجدتها في حقكم لا لن تفــي

أسرجت شعري يابدور منتـديات اغليك **** ونسجته شعرا يقرّ عواطفــــــي

ونظمته نظما يدّر مشاعـــــــــرا **** من كل قلب قد أبت أن تختفـــي

سيروا الى العلياء واقتادوا المنى **** ومضوا الى الإبداعِ دون توقفِ

واُهنىء نفسي لأني قد حظـــــيت **** بجمع أخوانٍ كظــــــــــلٍ وارفِ

شكرا لكم يرعاكم رب السمــــاء **** كونوا كجسمٍ واحدٍ متكـــــــاتفِ



الموضوع الأصلي : من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون  المصدر : منتديات اكاديميه الاشهار academy-of-pub


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سيف العدالة
سيف العدالة


عضو فضى

معلومات اضافيه
الْجِنْسِ : ذكر
عدد مساهماتك معنا : 476
نْـقٌٍـآطُْـيَـے : 49076
تاريخ الميلاد : 13/02/1980
الْعُمْرَ : 44

 من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون    من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 16, 2011 5:01 pm




الموضوع الأصلي : من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون  المصدر : منتديات اكاديميه الاشهار academy-of-pub


توقيع العضو : سيف العدالة
منتديات اكاديميه الاشهار
 Academy-Of-pub

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

من أسرار الإعجاز البياني في سور الكافرون

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

العلامات المرجعية


صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اكاديميه الاشهار :: اكاديميه المنتديات العامه | General Forums ::   ::   :: القسم الاسلامي العام-
انتقل الى:  
اكاديميه الاشهار
©phpBB | انشئ منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع
الإعلانات النصية
اكاديميه الاشهارمنتدى أشهار Eshary.comمنتديات احلى عرب منتديات اصحاب الى الابداضف موقعىاضف موقعك
اضف موقعك اضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعك
اضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعك
اضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعكاضف موقعك